ناصر الخالدي
شاب ذو حيوية ونشاط، أخلاقه عالية وفكره ممتاز، يشيد به كل أصدقائه وكل من حوله، عرفته في طفولتي وصحبته في شبابي، اما الطفولة فكان معي في رحلة الطيش واللعب والمرح والتحليق في عالم الخيال، ولطالما جلسنا نكتب على الرمل ونبني من الطين بيوتا وأكواخا، نرسم الحلم ونتبعه بالحلم ونركض حتى كأن الدنيا تركض معنا، أطفال نعانق الورود نشتمها فنقطف احلاها وأجملها ونرحل مسرعين نطوف منازلنا ثم نعود خائفين من أهلنا وكبرنا وكبرت معنا المسؤولية فافترقنا أنا في طريق وهو في طريق آخر، لكننا نلتقي تارة في المنتصف وأخرى في نهاية الطريق، هو طيب الأخلاق والشمائل، لكنه في زحمة الحياة أضاع الجادة واختلطت عليه الأمور، ربما فقد ورقة مهمة سقطت منه سهوا فتأخر يبحث عنها أو ربما توقف عند نقطة معينة على ان يستأنف المسير.. الذي أتحدث عنه الآن هو نفسه يرقد في العناية المركزة يعاني من آلام في الصدر ورضوض في أنحاء الجسم وكسر في الفك وجروح متفرقة وكل هذا نتيجة حادث مروري وحتى الآن لم تذق أسرته طعم النوم ولم يعرف محبوه معنى للراحة والهدوء، الكل متوجس خيفة والكل يرتقب يا إلهي ما أبشع الحوادث وما أغربها، كان الهدوء والأمن والأمان وما ان اصطدم الحديد بالحديد حتى صار الخوف والهلع والترقب، يا إلهي ما أبشع الحوادث!
يجلس على كرسيه المتحرك لا تراه الا وهو يبتسم واذا تحدثت معه تشعر وكأنك تعرفه منذ زمن بعيد يحدثك عن الطفولة وعن الذكريات وعن الدراسة وعن حلمه بالزواج وعن كل شيء في حياته يحدثك ويطلب منك ان تلقي نظرة على صورته قبل خمس سنوات أي قبل تعرضه لحادث مروري أطاح بأحلامه وفاجأه بواقع مرير فجعله على هذا الكرسي صباح مساء لا يستطيع التحرك أو المشي الا بمساعدة احد ورغم كثرة العمليات الجراحية التي أجراها، الا انه لايزال على ما هو عليه، حدثني ذات مرة قائلا «متى يجي يوم أمشي وأتحرك».
ومازالت حرب الشوارع قائمة كل يوم نسمع عن ضحية من ضحايا هذه الحرب البشعة ونمر على الحوادث ننظر الى السيارات وهي تتطاير والدماء وهي تسيل والأنفاس وهي تلفظ ونقف على المأساة من أولها الى آخرها وقد نسمع عن حالة وفاة أثناء وقوفنا أو اصابة خطرة فنذرف الدموع ونكتئب وتتغير ملامحنا حتى ترانا نتحدث بداخلنا عن ضرورة التوبة من السرعة، والقيادة بهدوء، ثم ما نلبث حتى نعود الى السرعة والتهور والجنون والا فما أسباب الحوادث؟ تهور واستهتار وجنون فماذا تقول عمن يتجاوز الاشارة الحمراء؟ وماذا تقول عمن يسير بأقصى سرعة؟ ويتنقل بين السيارات دون ان يبالي بمن عداه وسواه أليس هذا جنونا؟ أليس هذا استهتارا؟
وكما يقال من أمن العقوبة أساء المكر، لذلك نطالب من الاخوان بوزارة الداخلية الضرب بيد من حديد على من يستهتر بالقانون ويعرض حياته وحياة الآخرين للخطر، ونرجو منهم عدم التهاون مع من يتجاوز الاشارة الحمراء وكذلك مع المتهورين في القيادة من المخالفين في السرعة المسموح بها لأن احصائيات الحوادث تزداد بشكل رهيب وحتى تقل أعداد الحوادث لابد من تضافر الجهود من خلال توعية السائقين واقامة دورات تدريبية لهم قبل اعطائهم رخصة القيادة ونكرر على أهمية تفعيل القوانين.
واذا كان الحديد يعوض فأرواح البشر لا تعوض وخسارة الحديد أهون بكثير من خسارة انسان يريد الحياة ويطمح الى السلام فهذه دموع الأمهات مازالت تعانق الزوايا والجدران تسيل بحرقة وألم والعين التي ذرفت هذه الدموع يكاد الحزن يعميها على موت ذلك الابن، وهناك قلوب تمزقت حرقة وحزنا على موت أناس أعزاء غيبتهم الحوادث المرورية ورحلوا الى غير رجعة.
الحوادث المرورية تحتاج وقفة جادة من قبل المجتمع أكمله، فإلى متى نعيش في دائرة الرعب؟ أليست هذه الحوادث تشكل عبئا على الدولة؟ فالحوادث تحدث فجأة ليستنفر معها الأطباء وينشغل المستشفى عن المرضى جميعا لإنقاذ مصابي الحوادث.
أسأل الله ربي ان يحفظ الجميع، وان يكتب السلامة لكم كما نتضرع الى العلي القدير ان يشفي جميع المرضى، وان يطمئن قلوب الآباء والأمهات ويحفظ لهم أبناءهم.