ناصر الخالدي
في إحدى الليالي وحتى الساعات الأولى من الفجر وأنا أتقلب على فراشي كالمجنون لا يأتيني النوم كأنما وضعت على جمر أو شوك، كلما أغمضت عيني استبد بي الألم وأقض مضجعي، عوار أحسه يجري في رأسي الى أذني ثم يضرب أسناني بعنف فأنسى معه كل شيء وأنشغل بهذا العوار الذي يسمى «عوار الأسنان» ويصير الخلاص منه أكبر همي، فلا أشتاق لأحد ولا أرغب برؤية أحد ولا يسحرني كتاب أو يشدني كاتب ولا تشتهي نفسي شيئا من الطعام أو الشراب ولا تراني إلا وأنا أمسك رأسي وأشد يدي على خدي، أتدرك معي تأثير الألم؟ ولا يرحل مع الوقت ولا يختفي هذا الألم، وقد علمتني التجارب أن «المورفين» هو الحل، ولطالما سمعت من الأطباء التحذير من استعماله ولكن:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
وبعد ان تهدأ نفسي وتستقر حالتي يغيبني التعب ساعات أقضيها في نوم عميق وهدوء ليس له مثيل ثم أعود من بعدها وليس في الدنيا من يقدر الصحة ويعرف قيمة الراحة أكثر مني في تلك اللحظة، وكنت أرى انه اذا أردت ان تحل بعدوك نكبة ما بعدها نكبة وتصحبه مصيبة ما بعدها مصيبة فتمنى أن يجرب ألم الأسنان، كان هذا رأيي حتى جربت ألم البطن وألم الرأس وألم العظام فصار رأيي ان الألم هو الألم وان المرض هو المرض فهل تدرك معي قيمة الصحة؟
كانت تأتيني لحظة أصرخ فيها من شدة التعب وأتمنى الموت وأراه جنة لو يأتي فيخلصني مما أجد، وكنت ما رأيت احد أصدقائي إلا وبدأت أشتكي إليه ما أجد وبدأ يشتكي لي ما يجد، وتمر الأيام والليالي وأنا على هذه الحال أشتكي من شيء أجده في رأسي يختل منه توازني وتضعف بسببه قوتي وتقل إرادتي وما ألبث حتى تنتهي هذه الحالة وأعود الى طبيعتي فأنسى ليالي المرض وأيام الوجع وأحذف الأدوية من الثلاجة وأرقام العيادات من الهاتف وينتهي صراعي مع القلق وينقطع حبل الأفكار التي رسمتها في ذهني فأنطلق أنظر الى الحياة كأنها جاءتني من جديد فأحمد الله على ما أعطاني من نعم.. أتدرك معي قيمة الصحة؟
أما المرض فإنه يأتي دون سابق إنذار، تجلس مع فلان وتراه بنشاط وحيوية ثم تسأل عنه في اليوم التالي فإذا هو في المستشفى لا يتحرك، تحاول أن تتكلم معه لكن لا فائدة، تنظر إليه والأجهزة تحيط به من كل اتجاه فتراه كأنه رجل غير ذلك الرجل الذي عرفت منه ما عرفت، ألا تدرك معي ضعف الإنسان؟ يالله ما أضعف الإنسان! فأين الجبابرة اهل الجاه والثروة؟ أين الملوك والسلاطين؟ غيبهم الموت فما أغنى عنهم ما كسبوا.
ومن كرم الله بالإنسان ان جعله ضعيفا حتى يحن على الضعفاء ولا يتكبر ولا تغره المناصب والمعطيات، إلا ان هناك من الناس من يخرج من المرض ومن الألم ومن الوجع وتظن أنه سيتغير فإذا بك تجده عاد كما كان لا يلين قلبه لموعظة ولا يتأثر بموقف ولا يبالي بأحد، وكأن هذا المرض الذي تشافى منه لا يعود إليه من جديد كأنه اخذ الأمان ولا امان.
ومن كرم الله عز وجل أنه اذا ابتلى الإنسان بالمرض كفر عنه السيئات وزاد ميزان الحسنات ولا يكون البلاء الا لمن يحبه الله، فليس عند الله اعز من الأنبياء ولكل واحد منهم قصة مع الألم ورحلة مع المعاناة، فلا تجزع من ارتفاع السكر أو الضغط ولا تدمع عيناك من الألم، ولا تصرخ ولا تضق بالأمراض ذرعا، عود نفسك على الصبر حتى تنال الأجر واعلم انه ليس بوسعك ذلك. ولكن اذا بلغ الألم بك مبلغا لا يحتمل فالجأ الى الله واسأله حاجتك فهو الكريم الذي يجود بالعطايا وهو اللطيف بالبرايا.
نحن البشر أضعف المخلوقات نتأثر بكل شيء.. يا الله ما أضعفنا؟ ومادام الضعف فينا موجودا ومادمنا للأوجاع عرضة فلنغسل قلوبنا من الأحقاد ومن العداوات ولنتسامح مع بعضنا البعض فمازال في العمر متسع، ولا يحول بيننا وبين ذلك إلا ان نراجع انفسنا ونعترف بأخطائنا فهذه أعداد الوفيات كل يوم تزيد أكثر مما كانت عليه فإلى متى الغفلة؟ أخيرا أسأل الله ربي أن يشفي مرضى المسلمين ويكتب لكم موفور الصحة والعافية ونلقاكم على خير.