ناصر الخالدي
من أطاع نفسه هلك ولم يقف على شيء هذه العبارة حقيقة وليست خيالا، فالنفس البشرية تشتهي كل شيء وتريد كل شيء، ولو حاولت اشباعها ما استطعت فهي باب من ورائه الضياع ان أحكمت اغلاقه نجوت وعشت مرتاح البال، لا يقض مضجعك شيء، اما ان فتحت الباب على مصراعيه فالهم والقلق والاكتئاب، وانظر الى من حولك تعرف الذي أعنيه ففي مجتمعنا نماذج كثيرة تدل على ان الطمع سبب في انتشار بعض الأمراض النفسية، وكذلك سبب في تدهور العلاقات الاجتماعية، وليس هذا فحسب فهو الطريق الى الحسد ومن ثم يعيش الطماع حالة من القلق والتفكير، ولو حاولت جاهدا اقناعه بأنها ارزاق وانه على رأي المثل «لو جرى جري الوحوش غير رزقه ماراح يحوش»، فلن يقتنع ولن يهدأ أو يرتاح. وتجده يزداد حرصا على حرص ثم الهلاك والضياع.
أرزاق كتبها الله ووزعها على الخلق فجعلهم متفاوتين بالأرزاق كما هم متفاوتون بالعقل والعلم والمعرفة، وهذا التفاوت له حكمة بالغة لا يعلمها الا الله فمازال البعض يحسب الأرقام ويُجري المعادلات الحسابية ويضرب الأخماس بالأسداس ويلعن الحظ ويسب الأيام لأنه لم يحصل على الترقية في وظيفته أو لأنه لم يشتر سيارة احدث من سيارته، وتجده على ما هو عليه لا يتعظ بمن حوله ممن لديهم كل الأشياء المادية التي يريدها لكنهم لا يملكون ما يملك من صحة وعافية وأسرة مترابطة، زوجة وأبناء وأصدقاء، فالنظرة قاصرة والفكر محدود والحلم مقتصر على المال الزائف والمجد المسلوب، وسأحكي لكم حكاية تبين بشاعة الطمع وكيف يقود الى الهلاك:
موظف ميسور الحال مرتبه يفي بكل احتياجاته وعنده زوجة وأولاد ومنزل وأصدقاء وسمع عن تجارة فلان وأسهم فلان وترقية فلان فقرر ان يكون تاجرا حتى يكون مثلهم وراح يحسب الحسابات فباع جزءا من ممتلكاته ودخل في تجارة وربح فيها ربحا لا بأس به، ولكنه لم يقنع ولم يرض بما كتبه الله، فأراد ان يصل الى ما وصل اليه فلان، وفلان هذا الذي يريد الوصول الى درجته لم يصل الى ذلك الا بشق الأنفس ولكنه الطمع.
تنازل عن تجارته المريحة ودخل في تجارة اخرى فلم يجد الا تراكم الديون والحجز على المنزل، وضياع الأصدقاء وتشتت الأسرة، وتحسر، ولكن في الوقت الذي لا يفيد فيه الندم، فأين الذين اعطاهم الله من خيره ليعتبروا من هذا الذي أهلكه الطمع فإن اقتنعوا برزق الله (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) واما ان طمعوا فان العواقب وخيمة.
قد يعيش الواحد منا في قصر واسع، حوله الخدم يجيبون مطالبه، فلا يشعر بالراحة ولا يجد الا الضيق والنكد وصاحب الكوخ الحقير القائم بين الأشجار مع زوجته في سعادة وسرور لأننا في القصور نطمع وصاحب الكوخ لا يريد الا كوخه ويراه جنة ليس لها مثيل ونحن في القصور نريد ازواجا غير ازواجنا، وصاحب الكوخ لا يريد الا زوجته فهي بعينه كاللؤلؤة الثمينة، فإذا اردنا الراحة فلابد ان نتعلم القناعة فهي السبيل وبغيرها لا يمكن ان نعيش الا بقلق واكتئاب.
جولة
كل مريض بلا استثناء يتمنى ان يجد الطبيب المخلص الذي يجود بكل ما يملك من خبرة، وعلى ضوء هذه الأمنية فقد اكرمني الله باستشارة الاخصائية هيا التي كانت مثالا رائعا لأخلاقيات الطب، وكذلك د.ياسر عبدالتواب الذي شارك معي في الثورة البطولية للتخلص من ألم الأسنان والاثنان من المركز التخصصي لطب الأسنان في الفروانية فلهما جزيل الشكر والتقدير.