ناصر الخالدي
كاد قلبي يتفطر وأنا اسمع تلك العجوز تصرخ بأعلى صوتها: «ولدي». وكدت أموت من القهر وانا اسمعها تتوسل الى كل من تقابله ان يساعدها في العثور على ولدها المريض، وتوجعت وأنا أنظر الحزن بعينيها يجسد المأساة الكبيرة التي عاشها الجميع بعد ان اشتعلت النيران في مستشفى الجهراء.
والنيران لا ترأف بطفل ولا شيخ ولا امرأة ولا عجوز والموت لا يعرف الانتظار.
كانت الساعة الواحدة ظهرا عندما اتصل بي احد رؤساء تحرير احدى المجلات يخبرني عن اشتعال حريق في مستشفى الجهراء، وقد ذهلت في بداية الأمر من هذا الخبر الذي اشبه ما يكون بالصاعقة لأنه وصف لي المشهد قائلا: المرضى ينقلون الى مستشفيات اخرى، وهناك وفيات مع وجود عدد من المصابين. وما كنت أصدق لولا اني رأيت ذلك بنفسي بعد ان تجولت في أنحاء المستشفى انظر الكارثة والحزن يعتصر قلبي فلا تجد امرأة الا والخوف يستوطن عينيها ولا شيخا الا وتجد الذعر على وجهه ورجال الداخلية مع رجال الاطفاء وجميع العاملين في المستشفى في حالة من الاستنفار فلا مجال للراحة، الكل يبذل ما بوسعه لانقاذ ما يمكن انقاذه وهذا ما جعل بعضهم يتعرض للخطر ولكنها النفوس الكبيرة لا تعرف الخوف ولا تريد الا الاستبسال من اجل انقاذ الآخرين.
وشدني كثيرا منظر المرضى وهم في حالة من التعب وكل واحد منهم يحاول ان ينجو بنفسه من هول الفاجعة تطاردهم رائحة الدخان وخيال الموت ويحاصرهم الألم، ومع كل ما بهم من أمراض وأوجاع الا انهم يريدون وبشدة ان يبقوا على قيد الحياة فهل تفقه وزارة الصحة حب هؤلاء للحياة وللعيش الكريم؟ وهل يدري الاخوة في وزارة الصحة ان الوضع الصحي في دولة الكويت يحتاج الى انتفاضة جادة من اجل ان تتحقق أحلام المواطنين والمقيمين؟ ولا نطالبهم بالاستقالة بل نطالبهم بالمواجهة لأن أي مستشفى في العالم من الممكن ان يحدث فيه ما حدث في مستشفى الجهراء الا أنه وللأسف الشديد لا يوجد عندنا الوعي الصحي الكافي ولا توجد عندنا خطط مسبقة للطوارئ ومع هذا فأنا أوجه شكري وتقديري لجميع العاملين في المستشفى وأخص بالشكر الرجل البطولي الذي اقتحم الأجنحة وساهم في انقاذ المرضى غازي الظفيري ومسؤول العلاقات العامة الذي اعجبتني شهامته ونبل اخلاقه وطريقة تعامله مع المرضى وكذلك الأطباء والممرضون وأبناء الجهراء بلا استثناء وهذا ما عهدناه من الجهراوية.
ومع هذا فلابد من محاسبة المقصرين والمتسببين في هذه الكارثة لأن هناك أناسا كانوا يريدون الأمن والأمان فلم يجدوهما وكانت لهم أحلام وتطلعات فبددها لهيب النار، والمنظر الذي رأيته كان أشبه ما يكون بالمدينة التي خرجت من حرب وراح أهلها يبحثون عن المفقودين على الرغم من اننا ولله الحمد في دولة تنعم برخاء اقتصادي ولدينا كفاءات وعقول تحتاج من يعطيها الفرصة.اذن فلتنته المحسوبية ولننظر الى الكفاءات.
اسأل الله ان يلهم الجميع الصبر والسلوان، وان شاء الله تعود الأمور كما كانت، والآن علينا جميعا ان نتحد ونقف وقفة رجل واحد من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه في الوضع الصحي ولكل من لديه مريض أو فجع بقريب أقول: قضاء الله وحكمته اقتضيا ان يكون ما كان فلا تجزع ولا تغضب واسأل الله من فضله وتأكد ان البقاء لله ومن لم يمت بسيف مات بغيره. وننتظر بفارغ الصبر معاقبة المتسبب في هذا الحريق الذي ما كان ليحدث لولا الاهمال والتقصير.
ولفت انتباهي شيء لابد من ذكره وهو تصرف بعض الاخوة الصحافيين الذين كانوا يبحثون عن الخبر ويريدون حدوث أكبر قدر ممكن من الأضرار والاصابات حتى يكون لهم السبق وبعضهم تلفظ بألفاظ لا تليق بالمهنة الصحافية لأن أخلاقيات العمل الصحافي تقتضي امانة الكلمة وصحوة الضمير وقبل هذا التعامل الراقي الا ان بعضهم كان يهدد ويتوعد في الوقت الذي كان ينبغي عليهم ان يتحدوا ويكونوا رجالا في خدمة الوطن والمواطنين، ولكن لا حياة لمن تنادي وما كل ما يتمنى المرء يدركه.