ناصر الخالدي
لم تزل في مقتبل العمر فتاة مثلها مثل بقية الفتيات تحلم بالزواج والانجاب وان تعيش مع زوج يغمرها بالحب والحنان وان يكون لها أطفال ينادونها «ماما» وان يكون لها بيت تكون سيدته المطاعة، وهذه أحلام الكثير من الفتيات وأمر طبيعي ان يحلم الانسان بحياة كريمة يعيشها بعيدا عن الأوجاع والهموم، والزواج مصدر السعادة اذا اتفق الطرفان ومصدر التعاسة والشقاء والبلاء اذا تنافرت القلوب واختلفت الأذواق.
في الوقت نفسه الذي كانت تحلم فيه بالزواج تقدم الى خطبتها رجل يكبرها بأكثر من ثلاثين عاما له زوجة وعنده أولاد ويلازمه أكثر من مرض الا انه واحد من الأثرياء الذين يملكون الأموال الطائلة، فلا يذكر اسمه الا في خانة التجار وهو على ذلك من أهل الوجاهة الذين لا ترد أوامرهم وكانت الخطبة أشبه ما تكون بالصاعقة على قلب هذه الفتاة لأنه جاء ليحطم كل الأحلام الجميلة، وأرادت ان ترفض وقالت أول الأمر «لو كان آخر الرجال لن أوافق عليه».
فكر ابوها واخوتها وتباحثوا في الأمر فقال الأب انها فرصة لا تعوض وبزواجها منه سيكون لنا الخير كله وأيده في ذلك ابناؤه جميعا دون استثناء، اما والدتها فرفضت وبشدة ولكنها ضعيفة مغلوبة على أمرها لم تستطع مقاومتهم، واما الفتاة التي كانت لها أحلام وتطلعات فقد اغرتها المادة فتنازلت عن كل احلامها مقابل الزواج من هذا الكهل الذي هو في سن والدها، وسمعت من صديقاتها ان الحياة تغيرت وان الانسان لا يسعد الا بالمال وانها ان تزوجته فسوف تحصل على المال والثراء وسيكون لها الخير كله ولذلك وافقت على الزواج.
انتهت مراسم حفل الزواج فرأت ان هذا الذي تزوجته له وجه لا يبعث الا الرعب والهلع لا يعرف من الحياة الا المادة ولا ينظر لها الا نظرة الذئب لفريسته، لا يريد الا راحته فلا يفكر بمشاعرها ولا يهتم لأمرها، فالمهم عنده ان يسعد ويتنعم، وهي رأت زوجها أجدر من ان يستحق لقب «سفير الأمراض» لكثرة العلل التي يعاني منها واكتشفت في ضعفه شيئا من الخبث والخبث، في الضعف شيء من الحماقة وهي كانت تريد المال، اما الآن وبعد هذه الورطة فهي لا تريد الا الزوج الذي يفهمها ويقدر مشاعرها ولا يهم ان كان غنيا أو فقيرا بل المهم ان يفهمها ويكون بعمرها.
هذه فتاة راحت ضحية أب لا يريد الا المال واخوة لا يريدون الا المناصب والوصول ولو كان ما كان، والحياة ليست مادة وانما هي احاسيس ومشاعر وتعامل والسعادة في الزواج لا تكون الا بتوافق الفكر والعمر وان كان بالامكان التجانس في الفكر فإنه من المستحيل ان يكون هناك تجانس بين رجل على مشارف الستين وفتاة في بداية العشرين، لأن الكهل يبحث عن ممرضة تخدمه وتقف الى جانبه والفتاة تبحث عن زوج تعيش معه في أمن وأمان وتكون لها أسرة وبيت وأولاد، وكم من زواج انتهى بالفشل؟ والسبب أنه قام على الطمع، وهذه النفوس المريضة يغريها المال فتلهث وراءه ثم لا تجد الا الحسرة.