ناصر الخالدي
لم يتبق له من امنياته القديمة الا امنية واحدة، إن تحققت فستزول كل متاعبه وسينقلب الشقاء الى راحة ليس بعدها تعب او نصب وسيصير اسعد رجال العالم، بعد ان كان اتعسهم على الاطلاق، اما الامنية فهي ان يتزوج الفتاة التي احبها قلبه بعد ان رآها في طفولته وفي مراهقته وهي نفسها التي كان يخفق قلبه من اجلها وهي نفسها التي رأى فيها الادب والجمال فكتب من اجلها القصائد والاشعار حتى صارت ملهمته، اراد تحقيق امنيته فأرسل اليها يخطبها فلم تقدر الحب ولم تقدر الكفاح ولم تعترف بسنوات النضال التي عاشها ورأته غريبا والغرباء لا يحق لهم ما يحق لغيرهم.
تجددت ثورة الحزن داخله ورأى العالم ليس به غير الحزن والسواد واكتأب من كل شيء وصار للتشاؤم اقرب ما يكون، يرى الوردة فيبكي ويسمع تغريد الطيور فيحزن ويضج ويثور ان تكلم الناس امامه عن العدل فلم يعد كما كان من قبل.
قرر ان يهاجر من الوطن الذي عاش فيه الطفولة والمراهقة وايام الشباب والعنفوان الى وطن ليس به الا الغموض المبهم والمستقبل المجهول، قرر ان يترك الذكريات بكل ما فيها من ألم وأمل ويرحل وحيدا كما عاش، وتذكر انه سيفارق امه التي يحبها حتى الجنون وانه سيترك اباه الذي انهكته الايام واوجعت قلبه احداث الزمن وانه سيرحل من غربة الوطن الى غربة الوطن والناس، وان كانت له في هذه الارض اسرة تحبه وتغمره بالحنان فانه ذاهب الى ارض لا يجد بها اهلا ولا يعرف بها اصدقاء وليس فيها الا التعب والشقاء.
هاجر من بلده الذي تنكر له الى بلد رأى فيه مكانة الانسان وقيمة الذات، ورأى انه يشع حضارة ورقيا وازدهارا وهناك اختنقت الكلمات في داخله من جديد، وهاجت الذكريات دفعة واحدة، فلم يجد من البكاء مفرا، وتذكر ان البقاء في الوطن خير من الهجرة ولو كان بها من المغريات والمزايا ما بها، هناك تعرف الى كثير من الغرباء فوجد من بينهم الطيب ووجد من بينهم المخادع ولم تتوقف عجلة المعاناة بل ظلت تدور وهو يدور معها فلم يكن يتصور الغربة الا حلا لما كان يمر به من ضيق العيش، ورأى انها خلاصه من كل هم وغم، فعلم بعد فوات الاوان انها جريمة لا تغتفر.
واثناء غربته ماتت امه، فبكى عليها حتى ابيضت عيناه من الحزن وحاول ان يلقي عليها نظرة الوداع فلم يسعفه الحظ وعاد من الغربة خالي الوفاض، وقرر ان يناضل من اجل الحرية ولو كان ما كان فلم تمر الا ايام قلائل حتى انتقل الى رحمة الله.
فيارب ارحم كل من ناضل من اجل الحرية ومن اجل السلام ومن اجل الحب، ويارب لا تجعلنا نعيش مقيدين ولو كان القيد من ذهب او فضة واجعلنا احرارا.