ناصر الخالدي
ما ان يدخل الشتاء بنسماته الباردة وهوائه الطلق حتى تجدني طريح الفراش أشتكي من الحمى وهذه الحالة عرفتها منذ زمن طويل، فلا توجد عندي مناعة تقاوم هذه الأجواء الباردة التي تحتاج الى من يتعامل معها بحذر شديد، أما اهمالي فإنه يزيد آلامي مع هذه الحالة، والحمى التي زارتني بالأمس القريب هي نفسها التي زارت المتنبي فقال فيها:
وزائرتي كأن بها حياء
فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي
يضيق الجلد عن نفسي وعنها
فتوسعه بأنواع السقام
ضعفت قوتي ولم أعد قادرا على التحرك فقد دخل الشتاء فأذن للحرارة ان تدخل جسدي النحيف فلا أسوار عندي ولا حصون ولا يخفى على الجميع قيمة الصحة ولذة العافية وان كل أموال العالم وكل الممتلكات والكنوز لا تعادل لحظة واحدة يعيشها الإنسان بعيدا عن الأمراض الخفيفة أو المزمنة وان الإنسان يكفيه ان يعيش بصحة تمكنه من القيام بأعماله وتجعله قادرا على الاستمتاع بالأكل والشرب والسفر والنوم وكل شيء من ورائه متعة خالية من الذنب والمعصية، وهذه الصحة التي يتمناها الكثير يفرط فيها البعض باختيارهم وبإرادتهم دون ان تتأثر مشاعرهم او تتحرك ضمائرهم، يبددونها بالتدخين أو الخمر أو الزنا والعياذ بالله ولو عرفوا قيمتها لحافظوا عليها ورعوها حق رعايتها.
ولأن الصحة تعادل كل شيء في حياة المرء فكان من الضروري عليّ أن استعين بالله تعالى أولا كي يخلصني من هذه الحمى التي تنهش عظمي في ظلمة الليل البهيم ثم ان أذهب الى المستشفى لعلي اجد وصفة طبية تنفع حالتي، ودخولي الى المستشفى زاد ألمي وعمق جراحي لما رأيته من مرضى حالاتهم صعبة وامراضهم مزمنة وصراخهم «يقطع القلب» لكن كل هذا فيه عظة وعبرة وربما يحتمل، أما الذي رأيته ولم احتمله فكان كالآتي:
فتاة لا استطيع ان اصور «جكرها» وضعت على وجهها علبة من المكياج على امل ان تعدل الوضع إلا انها زادت الطين بلة، وتمشي في صالة انتظار المرضى فتزيدهم مرضا على امراضهم بسفورها وعدم احترامها لمشاعرهم.
مثل هذه الأماكن تحتاج الى نوع من الهدوء لأن مرتاديها مرضى بهم من الأوجاع والآلام مالا يعلمه إلا الله إلا ان البعض لا يبالي بمشاعر المرضى فيدخن ويتكلم وينتقل من غرفة الى غرفة ومن جناح الى جناح ويجادل الطبيب بكل صغيرة وكبيرة وربما اتهم الطبيب بالجهل وعدم المعرفة وهناك من لا يلتزم بالأرقام التي توزع من قبل المستشفى ويدخل على الطبيب قبل موعده، كل هذه التصرفات اصبحنا نشاهدها في مستشفياتنا بشكل مستمر.
اخيرا لفت انتباهي اثناء دخولي الى الطبيب ان مدة الاستشارة الطبية لم تأخذ اكثر من دقيقة والسبب يكمن في اعداد المرضى الذين ينتظرون على الباب، اعداد كثيرة ولا يوجد غير طبيب أو طبيبين على اكثر تقدير هذا ما يجعل الطبيب يشخص بشكل سريع وعادي ومع اني كنت في قمة التعب وأحتاج الى وقت أكثر الا انني قلت في نفسي «الحل في الذهاب الى مستشفى خاص» ولكنه في الواقع ليس حلا، فالحل لدى وزارة الصحة ان تتفضل مشكورة بجعل صحة المرضى غاية الوزارة لتوفر للمرضى جميع احتياجاتهم.