ناصر الخالدي
كنا نتحين المناسبات والأعياد حتى نذهب إلى جارتنا، فتكرمنا بالعطايا والهبات وتغدق علينا من النعيم والخيرات وتسمعنا أعذب وأحلى الكلمات، تعاملنا معاملة الأم لأبنائها، فنركض في منزلها ونلعب حتى نجلب لها الصداع ولا تتكلم وكنا نخاف أكثر ما نخاف من أبنائها، ولكنها كانت تعطينا الأمان فنركض بكل ما فينا من نشاط وحيوية ونقلب البيت رأسا على عقب وهي مسرورة بنا لا تمانع تصرفاتنا المزعجة وتبتسم لكل ما نفعله فهي كريمة اليد والنفس.
أذكرها جيدا، وقلبي يكاد ان يتفطر من شدة الشوق لها، شوق زرعه الحب الذي سببه الإحسان والإكرام والتفضل، أذكرها وأذكر أيامها التي مضت يوما بعد يوم وعاما بعد عام، فأتحسر على كل ما مضى ويعتصرني الحزن والأسى وأقاسي الشوق وأكابده، فقد مضت الأيام فكبرنا وكبرت، وانتقلت من حارتنا ومن منطقتنا وبعد أن كانت جارة لنا صارت جارة لمولانا ومولاها، فقد انتقلت إلى رحمة الله بعد صراع طويل مع الحياة وخطوبها ومع الأمراض وأنواعها، صراع مع الأيام وما فيها من لحظات جميلة وأخرى تجرعت قسوتها ومرارتها صابرة محتسبة الأجر.
إنها الآن ماثلة أمام عيني أكتب فيها وقد كتبت في جدّتي قبلها ويجتاحني طوفان الشوق والحنين حتى أني أتمنى لو كنت أستطيع الكتابة عن كل الذين فقدتهم في حياتي لكتبت عنهم مع يقيني بأنه لا أمل في اللقاء إلا طيف يزور في المنام فيؤرق القلب ويحرم العين من النوم، فأنا بين الحين والآخر يزورني طيف جدي فأتمنى أن تكون الحياة كلها نومه واحدة حتى لا يفارقني طيفه، وأتمنى لو كنت أبوح له بما أحس من وجع ومن ألم لفراقه، إلا أنني لا ألبث حتى أفتح عيني فأغمضها من جديد فلا شيء سوى التقلب حتى تفتح الشمس عينها على واحد مثلي.
لست أول ولا آخر من يشعر بهذا الشعور وفي الدنيا أناس لوعتهم أكثر من لوعتي واشتياقهم أعمق من اشتياقي ولو رأيت الأم وهي تودع ابنها والزوجة تفارق زوجها لعرفت ذلك، فاللقاء مؤقت والفراق لا بدّ أن يحصل فالدنيا بأكملها مصيرها للفناء والزوال، ولا خلود لأحد، سوى خالق الكون ومليكه سبحانه جل شأنه، فلماذا بعد هذا نضيع الأوقات؟ في أتفه الأمور نتخاصم ونتجادل على «الفاضي والمليان» ولا نعتبر بمن رحلوا من حولنا، أمرنا غريب وشأننا عجيب كأننا نعيش في عالم ثان وكأن الأموات ليسوا من عالمنا، والحق أن الموت لا غرابة فيه إذا كانت الخاتمة على خير وفلاح، أما إذا كانت والعياذ بالله كما شاهدت بعيني بالأمس القريب في أحد المقاطع الحية التي لا أنصح برؤيتها إلا من باب العبرة والعظة، فهذا شاب كان يستعرض مع صديقه وخرج من نافذة السيارة على أنها شجاعة وفتوة. فانقلبت السيارة عليه واجتمع الناس من حوله وهو يحتضر يحاولون تلقينه الشهادة ولكنه مات من غير أن يلفظ كلمة واحدة منها، لم يتلفظ إلا بالصراخ والألم، هذا ألم الدنيا وفي الآخرة أشد من ذلك بكثير، فيا أيها المفرط المضيع للصلوات ويا من ظلمت الناس وأكلت أموالهم، وأنت يا من مشيت في الأرض فسادا أما تخاف على نفسك من سوء الخاتمة؟ أما تخاف من عذاب القبر ومن وحشته ومن ظلمته ومن الوحدة؟ إن كنت تخاف فاعمل حتى تنجو وإن كنت شجاعا ولا يهمك الأمر فاعلم أنك مغرور ومسكين وضعيف لا تقدر على أمرك في الدنيا وأنت تقف بين بشر مثلك لا يختلفون عنك في شيء، فكيف تقدر على أمرك يوم القيامة وأنت تقف بين يدي الرحمن؟
أخيرا عسى الله أن يرحم جميع أمواتنا ويسكنهم فسيح جناته ويجعلهم ممن مات على الإيمان والتوحيد وأن يكتبنا من المتقين المقبولين ويرزقنا القبول في الأرض.
مقبرة الشؤون
قطاع العمل في وزارة الشؤون يحتاج إلى وقفة جادة من قبلوزير الشؤون الاجتماعية والعمل الأخ جمال الشهابخصوصا انه رجل قانوني ومستمع جيد ولديه خبرةفي حل الكثير من القضايالأن المشاكل في هذا القطاع باتت لا تحتمل والضحايا يتكاثرون والتلاعب يزداد يوما بعد يوم فيا معالي الوزير سمعت عنك الكثير واعجني ما قلته في أحد اجتماعاتك مع الوكلاء المساعدين نرجو الاهتمام بهذا القطاع، هذا من جهة ومن جهة أخرى لديك في الوزارة كفاءات بأمس الحاجة إلى من يقدرها ويسلط الضوء عليها فبعضهم يشتكي من مقبرة الشؤون التي وأدت كثيرا من المستحقين وصارت تميز فلانا عن فلان، فمن موظفة في القانونية تجمد لتوضع على الأنشطة والإعلام إلى آخر يقفز من مراقب إلى منصب عال. وهناك موظفون ينامون إلى آخر النهار وأمورهم على خير ما يرام، أرجوك يا معالي الوزير تدخل لحل هذه المشاكل التي تكبر يوما بعد يوم.