ناصر الخالدي
بحفظ الله ورعايته وصلت إلى مطار الملك عبدالعزيز في جدة أنا ووالدتي الحبيبة، ومطار الملك عبدالعزيز سحر يأخذ العقول رغم بساطته واستقبلني موظف الجوازات بابتسامة رقيقة تسفر عن أخلاق وكرم هذا الشعب ودخلت صالة «القادمون» فتجمع من حولي عشرات من أصحاب «التاكسي الجوال» ووجدت من بينهم الشاب والشيخ الكبير والصغير المثقف والجاهل فعرفت أنها الحاجة وشاء الله أن أركب مع رجل بينه وبين الموت أيام قليلة، أو هكذا يبدو، فالعينان جاحظتان والفم مفتوح بأكمله والشيب يكسو رأسه، وقيادته «الله بالخير»،والله خير الحافظين.
وبعد معاناة طويلة مع هذا السائق الصعب المزاج الذي لم يتكلم طوال الطريق ولم ينطق بحرف واحد وصلنا بعد مغيب الشمس وبعد ولادة الليل في ساعاته الأولى كان دخولي أنا ووالدتي إلى الحرم المكي الشريف، ورؤية هذا البيت تعني الكثير، هذا البيت العتيق الذي يطوف الناس من حوله مستشعرين عظمة الله عز وجل منطرحين أمام يديه واقفين على بابه كل واحد له طلب وكل واحد له حاجة تختلف عن الآخر، فسبحان الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
أمسكت بيد والدتي وأخذنا نطوف حول البيت فاسترجعت شريط الذكريات وتحسرت على ما فات من لعب وتقصير ولهو وتفريط، وهجم السرور علي حتى لم أعد أشعر بأني على الأرض أم في السماء، رهبة لا يعرفها إلا من جرب الموقف نفسه وسعادة لا يقدرها إلا من ذاق ما ذقت.
مشاعر إيمانية ونسائم عطرة وازدحام واختلاط ولكن الكل مشغول بنفسه وبينما نحن في السعي ساءني أن أرى أطفالا في أعمار الزهور يعملون في مهنة الحلاقة، أداتهم المقص ودعايتهم التوسل وخلفهم قصص وحكايات، استمعت لطفلين منهم فقال لي أحدهما أنا أدرس وأعمل واصرف على أسرتي فقلت له أنت رجل فقال أدري أني رجل، ومما ساءني أكثر توظيف الأطفال الصغار في مهنة التوسل حتى أصبح الواحد من هؤلاء الأطفال لا يستطيع العيش إلا بالتسول ولو أعطيته ملايين الدنانير ومع أن المملكة لم تدخر جهدا في مكافحتهم إلا أنهم ينتشرون يوما بعد يوم والناس يتعاطفون معهم من باب التكفير عن الذنوب بالصدقة ولكنها أصبحت عند البعض وظيفة من ورائها الخير الكثير.
ودائما ما يشعر المعتمر بأنه في حاجة إلى توبة وأن صوتا خفيا بداخله يناديه وهذا الصوت هو الإيمان ولعل الخطأ على الإنسان شبه محتوم وانه لابدّ من الخطأ ولكن هل الاستمرار في الخطأ أيضا مكتوب على الإنسان؟! نصيحة وجهتها لنفسي وسأوجهها لكم لأني أحبكم، إن سعادة المرء تكمن في مدى تقربه الى الله ومن أصلح معاملته مع الله أصلح الله معاملته معه فلينظر كل منا كيف هي العلاقة التي تجمعه مع ربه وليحاسب الواحد منا نفسه على التضييع والتفريط.
الجدير بالذكر أن رحلتي هذه تسبق وفد إدارتي المعاقين والمسنين والذي يترأسه الأخ محمد الكندري وكيل الوزارة وبطلب من راعي جائزة البغلي للابن البار العم بورائد البغلي بصفتي المشرف العام على الجائزة، فشكرا لهذه الثقة الغالية وموغريبة عليك يا بو رائد.