ناصر الخالدي
سلطان شاب من فئة البدون يعمل في محل صغير مخصص لبيع أشرطة الأغاني وهذه طبيعة عمله من الصباح إلى المساء، يفتح المحل في كل صباح «يا فتاح يا عليم» وعلى صوت الموسيقى الصاخبة والغناء الماجن يجلس منتظرا أول الزبائن الكرام وهذه حياته منذ سنوات طويلة مع أنه لا يزال في ريعان الشباب.
المحل الصغير الذي يعمل به سلطان أغراني بديكوراته الكاذبة وأضوائه الزائفة فقررت أن أدخله وأناقشه لعله يقتنع ويصل إلى حقيقة تغير حياته وتنقله من الجحيم إلى النعيم وبالفعل دخلت عليه فوجدته جالسا في أحضان الأغاني، عن يمينه وعن شماله صور الغواني وهو مثل النائم ليس له من ذلك نصيب إلا الحلم.
فوجئ بدخولي ولكنه رحّب واستأذنته بمناقشته فوافق ولكن علامات الخجل كانت واضحة على وجهه المظلم وانعكست على نفسه المضطربة وأخذت اسأله عن الغناء هل هو حرام؟ وأخذ الشاب يدور حول السؤال ثم لم يجد إلا إجابة واحدة وهي أن العلماء اختلفوا، فقلت له يا عزيزي وهل اختلف العلماء على هذه الصور التي عن يمينك وعن شمالك وفجأة تراجع سلطان عن كلامه وقال: لا، حرام واعترف بأنه لا يعرف طعم الراحة وأن حياته أشبه ما تكون بالعدم.
سلطان لم يكتف بهذا بل أكمل حديثه قائلا أعلم أن الغناء حرام وأعلم أن وظيفتي هذه حرام ولكن ماذا أفعل وأنا من فئة البدون؟ لا أحد يقبل أن يوظفني ولا أحد يقبل بمساعدتي وقد طفت على أغلب الشركات فما وجدت من يوظفني وعندي أم مريضة وأب مسن واخوة وبيت يقف على بابه كل نهاية شهر رجل من أصحاب الدنيا يحاسبني على الفلس ويفعل الأفاعيل إن تأخر الإيجار ساعة فكيف اسلم مما أنا فيه والحياة تغيرت عما كانت عليه، فاليوم كل شيء أصبح غاليا وأنا مازلت أعيش على 150 دينارا، لست وحدي معي أسرتي كلها نتقاسم هذا الراتب الذي وكما تعلم لا يوجد به بركة.
أمثال سلطان مئات من الشباب اليائس الذي لا يجد حلا غير الانحراف فتجد من يلجأ إلى بيع المخدرات وترويجها وتجد من يلجأ إلى السرقة وأمور لا يتصورها أحد وكلهم على الإجابة نفسها ماذا نفعل فلا وظائف ولا مساعدات، هل نموت من الجوع؟
وقبل أن يموتوا من الجوع أو يسرفوا على أنفسهم في الحرام نتمنى من العقلاء في هذا البلد ومن كل الحكماء فيه أن يتدخلوا لحل هذه القضية التي وقبل كل شيء هي قضية إنسانية من الدرجة الأولى فيكفي سنوات من الذل والظلم والقمع.
أخيرا إن كان هذا هو الوجه الأول من القضية فإن الوجه الآخر قد يختلف تماما ولكننا نسلط الضوء على الوجه الشاحب على أمل أن نعيد له الابتسامة ونجعله قادرا على الاستمتاع بهذه الحياة التي ما أجملها لولا النفوس المريضة.