ناصر الخالدي
أستغرب من وجود جمعيات تطالب بحقوق الإنسان ولعل استغرابي هذا يزيد يوما بعد يوم، وأنا أرى المآسي والمصائب الإنسانية التي تحل بأرض البدون في كل يوم جديد وتوجعهم على ما بهم من وجع، لأن هذه المصائب أصبحت كالإعصار المدمر لا يعرف الرحمة فالمشكلة اليوم لم تعد تقتصر على الأوراق الثبوتية فقط إنما وللأسف تعدت وطالت القلوب حتى أوجعتها بضرباتها القاضية وأبكت العيون حتى أعمتها بقسوتها وبشاعتها، فلم تعد ترى غير الظلام الدامس ولم تعد تشعر بغير الخوف الدائم الذي يطارده مثل الشبح من مكان إلى آخر.
أطفال البدون اليوم يولدون ولا يمنحون شهادة ميلاد تثبت نسبهم ويكبرون وهم على ما هم عليه من التجاهل والنسيان، ولعلك تستغرب من هذا الطفل الذي يمتلئ قلبه بالحب والغفران، ضاعت سنوات عمره في الظلم والطغيان سنوات وهو يشرب العلقم ويأكل المر ويتجرع كل أنواع الإهانات في الدوائر الحكومية والوزارات بل حتى في الشوارع والطرقات لا يجد قليلا من الاحترام وكأنه من الشياطين بل لو كان شيطانا لوجد من يدافع عنه، وغيره على هذه الشاكلة الكثير.
المشكلة لم تعد صغيرة كما كانت، فاليوم أن تكون من البدون فهذا يعني أنك تعيش بلا وطن يحميك ويدافع عنك ويمنحك الحياة الكريمة، وعليه فإنك لن تجد وظيفة تتناسب مع قدراتك وطموحاتك وكم أنت محظوظ لو وجدت من يوظفك ولو بأقل القليل، فالكل يبحث عن البدون ليستغل حاجته للمال وليس هذا فحسب بل للأسف امتدت يد الظلم لأكثر من ذلك، فاليوم لا تصرف للبدون عقود زواج وأحيانا لكي يحصل البدون على عقد الزواج يُجبر على تسجيل قضية زنا حتى يثبت أنه تزوج، والله شيء مؤسف ومحزن بل إن من نتائج هذه المشكلة أن تجد الشعور بالظلم وعدم المساواة يولد في صدور وقلوب الكثير فيجعلهم يعيشون في دائرة الحسد والانتقام.
مشكلة البدون أجبرت الكثير من الشباب على أن يسلكوا طرقا متفرقة للعيش مثلما يعيش الناس، فمنهم من انحرف وأضاع حياته إلى الأبد ومنهم من تقاعس وانتحر ومنهم من أثبت نفسه وأبدع وأفاض واسترسل ومنهم من اختار أن يعمل إلا أنه من واقع القصص التي سمعتها يبدو أنه حتى العمل الحر ممنوع فقد وضع في السجن أحد الشبان لأنه قام بعرض بضاعته على الرصيف مع أن بضاعته فاكهة.
من بين فئة البدون أصحاب خدمات جليلة قدموا أرواحهم فداء للوطن، أبناء شهداء، عسكريون من وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، أبناء مواطنات، مبدعون ومثقفون وأكاديميون، حملة إحصاء 65 ولكنهم في طي النسيان مع ولادة كل كشف تجنيس جديد، بينما يكون النصيب الأوفر والحظ الأكبر لكومار وربعه.
وأنا أستغرب كيف يكون من بيننا عسكريون بدون، هل هذا هو التكريم الذي يستحقونه؟ وكذلك أبناء الشهداء وحملة إحصاء 65 وأبناء الكويتيات مع العلم والتأكيد أنه ليس كل البدون يستحقون الجنسية، فهناك من يحمل جنسية، وهناك من سجلت بحقه قضايا أمنية وأخلاقية، لكن ليس الكل وحتى لا يستمر الظلم يجب الالتفات إلى هذه الفئة وإعطاؤها حقوقها كاملة الإنسانية والأمنية.