كثيرون يعتقدون أن مفهوم «التنمية البشرية» حديث، ويربطون غالبا ظهوره بالعقد الأخير من القرن الماضي، أي مع تنامي الثورة المعلوماتية والتكنولوجية والاقتصادية الهائلة. ولكن المتتبع لجوهر هذا المفهوم، سيكتشف بنظرة تحليلية بسيطة، أن مفهوم التنمية البشرية قديم جدا، وكان موجودا في الأديان والشرائع السماوية. حتى إن أحد أبرز مؤسسي علم التنمية البشرية نامليار هيل استشهد بدور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كشخصية مربية للتنمية البشرية، وذلك في كتابه الذي ألفه في أوائل القرن الماضي والذي عنوانه think and grow rich. وكذلك استخدم قادة سياسيون ناجحون مثل المهاتما غاندي، مفهوم التنمية البشرية، إلا أن استخدام هذا المفهوم، ظل في حدود الشكل الفطري والعفوي، دون التركيز عليه كعلم قائم، كما هو الحال اليوم، حيث اصبح يدرس في كبرى جامعات العالم، وتقوم عليه اقتصادات دول ناجحة، وبالمقابل تخفق فيه اقتصادات دول لا تلقي بالا له.
ونأمل في الكويت ان نكون من المجموعة الأولى التي يشغل مفهوم التنمية البشرية: حيزا كبيرا من اهتمامها، ويشكل لها قوام العمل الإنتاجي.. ولكن هل طموحنا هذا واقعي، قياسا إلى المعطيات التي نشاهدها اليوم في مؤسساتنا؟
لنكن أقرب للشفافية من أن نتحدث وراء الجدران. فحتى الآن، ورغم ان أقسام التنمية البشرية دخلت في الهياكل التنظيمية للمؤسسات، الا ان هذه الاقسام لم يتح لها حتى الآن أن تؤدي دورها الأمثل، بل ان الكثير من هذه المؤسسات تنظر لأقسام التنمية البشرية، على انها نوع من الترف الاداري، أو تهمشها في القرارات الهامة التي تتخذ. وبالمقابل فان التقصير يطول هذه الاقسام نفسها حين تختزل كل دور التنمية إلى رحلات ترفيهية للموظفين.
وهناك تقصير اكبر من مؤسساتنا يكمن في المرحلة التي تسبق الحياة الوظيفية للفرد، أي ان جيل الشباب الذي يمثل حوالي 70% اليوم من متوسط أعمار المواطنين، لا توجد خطط واضحة وعملية لإعداده للدور القيادي والانتاجي، الا بعد ان يلتحق بالوظيفة. ولو استبقنا هذه المرحلة فسوف نجد في السنوات القليلة المقبلة جيلا كاملا مؤهلا باقتدار لقيادة مفاصل الدولة نحو انتاجية افضل مما هي عليه الان.
حيث يرى المتخصصون في هذا المجال أن «التنمية البشرية ذات بعدين، وبعد يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان، طاقاته البدنية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، وبُعد يتصل باستثمار الموارد والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية القدرات البشرية». يقول مفكر ياباني عن شعبه: «معظم الشعوب تعيش على ثروات تقع تحت اقدامها وسرعان ما تنضب، اما نحن فنعيش على ثروة فوق أرجلنا تزداد وتعطي بقدر ما نأخذ منها».
ولو نظرنا الى واقعنا اليوم في الكويت، لوجدنا ان الشباب لدينا يسير غالبا باتجاهات غير مدروسة، وخصوصا في المرحلة الجامعية. لذلك فان الطلبة الذين يدرسون في الخارج يكونون اكثر اصطداما بالواقع من الطلبة الذين درسوا داخل الكويت، لان هؤلاء القادمين من الخارج يحملون في جعبتهم مفاهيم جديدة تلقوها حول آلية التنمية البشرية والكيفية العلمية التي يتوجب عليهم ان يتبعوها لتحقيق أفضل النتائج. ولكن عندما يدخلون الحياة العملية هنا يجدون ان ما تعلموه وتدربوا عليه يتكسر امام جدران البيروقراطية والروتين، وأحيانا المزاجيات او المحسوبيات، واعتبارات اخرى كثيرة تجعلهم أمام خيارين: اما ان يستسلموا للواقع الوظيفي الخطأ، ويقبلوا بالأمر الواقع، واما ان الباب الذي جاؤوا منه في المطار مازال مفتوحا.وفي الحالتين فان الخاسر الأكبر هو الكويت.
[email protected]