بإمكان رأس دبوس صغير عرقلة كبرى العجلات.. وهذا ربما ينطبق بشكل أو بآخر على واقعنا في الكويت، فكم من «دبابيس»، على شكل بيروقراطية أو فساد، استهنا بها ولم نحسب لها حسابا فأدت بنا إلى أزمات سياسية واقتصادية، ظلت رواسبها تطفو على سطح المجتمع لأجيال متلاحقة.
في الكويت نستخدم أحيانا سياسة التباهي بنجاحاتنا، ولكن دون توفير حماية مستقبلية لهذه النجاحات، فقد ننفخ صدورنا غرورا لأن زوابع الأزمة المالية العالمية لم تتمكن من إلحاق الضرر الكبير باقتصادنا، في الوقت الذي يمارس فيه بعض الذين لا يشعرون بمسؤولية تجاه وطنهم يوميا، ما هو أقسى من الأزمة المالية، والفرق أن الأزمة المالية تعصف بضربة مباغتة، بينما هؤلاء يحققون مآربهم على مراحل. ونتناسى أمام غمرة هذا الزهو ان اقتصادنا أحادي الجانب يعتمد بنسبة 95% على مدخولات النفط، وهذه أكبر المثالب التي لم نحتط لأجلها حتى الآن. ومن النجاحات التي حققناها ولم نحمها حق حمايتها تفاخرنا بأسبقيتنا في الديموقراطية، في الوقت الذي يمارس فيه بعض ممثلي الديموقراطية على أرض الحقيقة ما من شأنه ان يهدد نصاعتها، حتى باتت تتربص بنا معوقات تشبه شجرة مخادعة، أوراقها رقيقة ولكن جذورها ضاربة في الاعماق.
هذا الشعور الزائد بالثقة خلق عندنا سياسة الاستغناء، أي أن شعورا بات يتملكنا بأننا لسنا بحاجة الى مستثمرين أجانب، وبدورها لم تقصر البيروقراطية في حشد كل تعقيداتها في وجه النقد الأجنبي، سواء الراغبون في فتح مشاريع في الكويت، أو حتى أولئك الراغبين في زيارة الكويت أثناء المهرجانات للاطلاع على إمكانية الاستثمار، في الوقت الذي تجعل فيه دول خليجية مجاورة مهرجاناتها الترفيهية بوابة تفضي الى عمل تجاري. وهذا ما يفسر وجودنا في المرتبة الأخيرة بين دول الخليج من حيث قيمة التدفق النقدي الأجنبي. وليت الامر توقف عند هذا بل ان هناك هجرة عكسية لرؤوس الاموال الكويتية تحصل بسبب هذه التعقيدات، وتقدر قيمة الأموال المهاجرة من الاقتصاد الكويتي بستة مليارات دولار في هذا العام. كما يواجه القطاع الصناعي مشاكل تنظيمية، يتمثل بعضها في عدم توافر الأراضي الصناعية المناسبة. وهو الأمر الذي كان يفترض بالنواب السعي لتوفيره مع الحكومة بدلا من تضييع الوقت باستجوابات عقيمة ترهق كاهل الوطن بمراوغات سياسية مكررة من شأنها تعطيل عجلة التنمية.
أمامنا اليوم مفترق طرق حاسم، فالرغبة الأميرية السامية في تحويل الكويت إلى مركز اقتصادي ومالي عالمي، أدت الى نهضة عمرانية كبيرة تمثلت في جانب منها في الأبراج التجارية الهائلة التي بنيت والتي ستبنى، وبالتالي يفترض أن تتواكب التشريعات والقوانين والأنظمة الاقتصادية مع هذه الرغبة وتسهل تحقيقها على أرض الواقع، وإلا فإن التوقف عند حدود التباهي والاتكاء على الصرح الاقتصادي الهائل الذي بدأ ببنائه الأجداد سيجعلاه عرضة للتصدع إن لم ترممه الأجيال.
[email protected]