عند التخطيط للتطور العمراني للمدن، فإن أول شيء يوضع في الحسبان هو البنية التحتية. لأن أي ثقل جديد يعني عبئا اضافيا على هذه البنية، من شأنه أن يرهقها ويجعلها تبذل طاقة مضاعفة عن استطاعتها. وهو ما يقتضي تحسين قدراتها وتحديثها قبل البدء بأي مشروع جديد.
ولكن الواضح عندنا أن البنية التحتية في كثير من المناطق ظلت على حالها، بينما ارتفعت المباني من فوقها وشيدت الجسور والمشاريع الأخرى.
لذلك يلاحظ انه لم تكن هناك أزمة كهرباء قبل قانون السماح بهدم المباني ذات الأدوار الخمسة أو غيرها، وإعادة بنائها بأدوار مضاعفة، لذلك أصبح شكل الشوارع غير منسجم، فالأبنية حديثة ومتطورة ولكنها مظلمة في ساعات مفاجئة، لا كهرباء فيها بعد أن تنقطع عنها فجأة، والاشد مفارقة من ذلك انك ترى البيوت الفارهة من الداخل والطلبة فيها أثناء الامتحانان يدرسون على ضوء الشموع كما لو كانوا في أكواخ
في العادة أي أزمة أو مشكلة، تبدأ كبيرة ثم تصغر بسبب التدخل العملي والمهني من قبل الوزارات والدوائر المعنية، إلا أزمة الكهرباء عندنا فهي تكبر منذ أن ولدت قبل ثلاثة أعوام تقريبا، في الوقت الذي كان يفترض بالمعنيين في هذا المجال أن يجدوا الحل القاطع بعد عام واحد على الاقل من الازمة، لانهم يكونون قد ألموا بمعطياتها.
وما تقوم به الوزارة المختصة من حملات الترشيد على الرغم من أهميتها الا انها لم تجد نفعا، وهي لن تكون في يوم من الايام الحل الناجع، فهي بمثابة الضماد الذي يوضع فوق جرح مفتوح من دون دواء.لأن حملات الترشيد تحاكي ضمائر الناس ووعيهم وإحساسهم بالمسؤولية، وهذا لا نفترض وجوده لدى الجميع، وهنا لابد من الاشادة بما تنهض به بعض المؤسسات تجاه دورها في ترشيد الاستهلاك. ولكن في النهاية فان ما ينفق على حملات الترشيد، كان يمكن ان ينفق على تقوية الطاقة الكهربائية وصيانة وتحديث المولدات. فحسب تصريح لأحد المسؤولين فان 70% من كيبلات التوزيع قديمة ومعطلة، فلماذا لم يتم وضع جدول دوري لاستبدالها ولماذا لا يتم البدء بالصيانة الجدية للمحطات القديمة وتوفير قطع الغيار المطلوبة والتعاقد مع شركات ذات خبرة في هذا المجال والشروع ببناء المحطات الجديدة وتوفير جميع المتطلبات لها؟ فعلى الأقل سوف نخفف عن الجنود المجهولين رجال الطوارئ، الذين لا يألون جهدا في الاستجابة بهمة عالية لحالات الطوارئ والتي تكثر هذه الأيام.
واذا كنا حقيقة نسعى الى أن تكون الكويت مركزا ماليا عالميا، فالأولى بنا أن نبدأ بالتفكير جديا بحلول طاقة بديلة، كالطاقة الشمسية واستثمار الرياح مثلا، والتي سوف تحد كثيرا من المشكلة، حاضرا ومستقبلا. وستصبح مع الأيام أقل تكلفة واكثر امانا. وكذلك فإن خصخصة قطاعات معينة بالكهرباء قد تكون حلا مفيدا.
معظم المؤشرات توحي بأن هذا العام سيكون الأكثر حساسية تجاه الكهرباء، بسبب ظروف الحرارة المرتفعة، وتلك مسؤولية تحملها وزارة الكهرباء، خصوصا أن التصريحات والتطمينات التي تطلقها بين الوقت والاخر، أصبحت غير مقنعة للمواطن لعدم مطابقتها لواقع ما يحصل، وبالتالي، فكل الاحتمالات واردة بما فيها أن تجد الحكومة نفسها في وضع أكثر سخونة من هذا الجو.
[email protected]