الديموقراطية التي تهدف إلى الاستهلاك الإعلامي، والتي تتكئ فقط على الذراع السياسية، هي ديموقراطية ذات بريق يخطف الأبصار فقط، لكنه لا يحقق الغاية العميقة من هذا المصطلح.
وهذا النوع من الديموقراطية يكون في الغالب أحادي الجانب، أي أنه سياسي فقط لا اجتماعي. وهو أكثر أجساد العمل السياسي هشاشة، لأنه في غياب الإعلام أو غفلته ستختبئ الديموقراطية عن أعين الناس، ولا تظهر إلا في مناسبة إعلامية عالمية جديدة.
لذلك فإن ما يمنح الديموقراطية مصداقيتها هو اقترانها بالديموقراطية الاجتماعية، عند ذلك نتأكد من أنها جدية، وليست للتنظير.
ويمكن الدخول إلى باحة الموضوع من بوابة الفيلسوف السويسري الذي عاش في فرنسا جان جاك روسو، حيث يرى ان «الديموقراطية الاجتماعية تهتم بتحسين أوضاع المواطن المادية، عن طريق مبدأ العدالة الاجتماعية من حيث توزيع خيرات البلد على كل المواطنين لأن للمواطن حقا شرعيا بنصيب عادل منها. فالمساواة بين الأفراد في المجتمعات المنظمة تستند بشكل أساسي الى هذه العدالة الاجتماعية، فأفراد الشعب المنبوذون والفقراء وقليلو الثقافة لا يمكن أن يساهموا بشكل جدي في الحياة السياسية التي تتطلب معرفة بأمور الدولة وتسييرها وأمور السلطة ومداخلاتها، أولويات هؤلاء الناس هي لقمة العيش وليست السياسة».
ونجد أن فكرة روسو جديرة بالاحتفاء، فهي تنطبق على عالمنا اليوم بل تكاد تكون قيلت قبل ساعات.. ويندرج تحت هذا المفهوم أيضا مبدأ تكافؤ الفرص. وكل هذا ينعكس نفسيا على الإنسان، ويجعله يشعر بالغبن والظلم، وبالتالي يؤدي به الى أن يكون سلبيا وغير منتج بالشكل الأمثل للإنتاج.
وتقع مسؤولية إيجاد الديموقراطية السياسية على عاتق السلطة السياسية، لان الأمر يتعلق أيضا بمفاهيم اقتصادية تعنى برأس المال الخاص الذي يهمه جيوب الناس لا عقولها، ولا يفكر في تنميتها إلا بمقدار ما تحقق هذه التنمية في نشاط الإنسان لزيادة رأس المال.
لذلك يعتبر بعض المفكرين أن الديموقراطية السياسية وسيلة للوصول الى الديموقراطية الاجتماعية أي ان الأولى في خدمة الثانية وليس العكس، والا فستكون الديموقراطية حسب اعتقاد المفكر المغربي الراحل د.عابد الجابري «ديموقراطية اللا ديموقراطية» في العالم العربي اليوم تعني الديموقراطية أولا الحرية السياسية ليتمكن المواطنون من أداء واجبهم الانتخابي، وتعني ثانيا الحرية الاقتصادية الليبرالية ليتمكن كل شخص، حقيقي أو معنوي من القيام بنشاطه الاقتصادي حسب وسائله وإمكانياته، دون أي تحديد لمجال حريته وتصرفه، ودون أي توجيه من أي جانب من جوانب هذا النشاط. والنتيجة الحتمية لهذا النوع من الديموقراطية هي اللاديموقراطية، ذلك لأن الحرية السياسية والحرية الاقتصادية هما حرية حقا».
[email protected]