تواجه دول الخليج العربي بشكل عام والكويت بشكل خاص خللا وشيكا، أو ربما هو واقع فعلا، على صعيد التركيبة السكانية.
وينجم هذا الخلل بحكم الطبيعة الاقتصادية الجاذبة لدول مجلس التعاون، والتي هي الوجهة المعيشية المثالية لمختلف الجنسيات حول العالم. وربما ان الكويت معنية أكثر بذلك لقوة عملتها أمام العملات الأخرى.
للوهلة الأولى يبدو من الطبيعي أن يتشكل أي مجتمع من خليط فسيفسائي، يضم السكان الأصليين الى جانب الوافدين، ولكن من غير الطبيعي ان يتم هذا الخليط دون دراسة علمية محددة تعمل على توازن التركيبة السكانية بحيث لا يصبح المواطنون أقلية في بلادهم. وقد تنبهت بعض الدراسات الى امكانية تقلص نسبة المواطنين قياسا الى الوافدين في بعض دول الخليج الى 5%.
وقد لا ننتبه الى ان الخلل في التركيبة السكانية يترتب عليه تبعات على الأصعدة كافة، وهو ما يشير اليه الديموغرافيون، حيث يرون أن «المتغيرات الديموغرافية المرغوب فيها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا ستنشأ تغيرات نتيجة لذلك على الصعد المرتبطة بها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية وغيرها. فمثلا ترتبط بتغير الحجم السكاني وبمعدل النمو السكاني تغيرات اجتماعية واقتصادية مباشرة أكثرها وضوحا التغير في حجم القوى البشرية المتوافرة في الدولة أي السكان في سن العمل 15 - 64 سنة وفي حجم قوة العمل التي ينجم عنها بطبيعة الحال تغير في الدخل القومي، وفي نصيب الفرد من الناتج الإجمالي والتي ترتبط بدورها بمستويات الادخار وبالاستثمار».
المشكلة الأخرى التي تنجم عن الخلل في التركيبة السكانية، وانحسار نسبة المواطنين أمام الوافدين، هو «الذوبان» الثقافي الذي من الممكن ان يتعرض له السكان الأصليون امام جملة الثقافات الوافدة بكل خصوصيتها والتي قد لا تنسجم مع خصوصيات مجتمعنا، وبهذا يحدث نوعان من الصدمة، نوع يتمثل في صدمة الفرد مع نفسه، بحيث تتنازعه قيمه التي تربى عليها، وما تحمله الثقافة الوافدة التي يصادفها في المجتمع العملي خارج منزله، اما النوع الثاني من الصدمة فيتمثل في مواجهة بين الأبناء وآبائهم، بحيث يكتشف الآباء أنهم أمام أبناء من ثقافة مختلفة عن تلك التي أرادوها لأبنائهم. ومصطلح «الثقافة» هنا شمولي وواسع، يشمل اتجاهات عقائدية ودينية وفكرية وموروثات هائلة لها جذور تاريخية ودينية عند أصحابها.
العالم اليوم أصبح أكثر عرضة لخلل التركيبة السكانية، خصوصا بعد أن تحول الى ما يسمى بـ «قرية صغيرة». والمشكلة لم تعد تحل في ضبط الحدود من الهجرة غير المدروسة، بل تكمن اكثر في الموازنة بين حاجتها الى هؤلاء المهاجرين او الوافدين، وبين محافظتها على شخصيتها من التلاشي أو الذوبان.. والاحتفاظ بمقدراتها لصالح مواطنيها في ظل وجود منافسة على الدخل من قبل الآخرين. وللحديث بقية..
[email protected]