حتى الآن يبدو أن مفهوم العنف في مجتمعاتنا ضيق ومحدود، أي أننا نحصر هذا المفهوم في الضرب أو الاعتداء المباشر، بينما يرى المتخصصون في علم النفس والتربية أن العنف هو «كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون الأذى جسديا أو نفسيا فالسخرية والاستهزاء من الفرد، وفرض الآراء بالقوة، وإسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة». وبناء على هذا المفهوم فان حياتنا معظمها عنف، سواء في المنزل او المدرسة او العمل. ولكن أكثر الأشخاص عرضة للعنف هم الأطفال والنساء. وهناك حالات من هذا النوع يمكن ان نطلق عليها «العنف الصامت». فالأطفال مثلا في مجتمعاتنا العربية ليس لديهم الحماية الكافية من العنف الاسري كما في المجتمعات الغربية. على الرغم من وجود العنف عندهم ايضا. وهناك مسببات كثيرة للعنف تصل الى درجة اللاانسانية، فغالبا ما يدفع الاطفال ثمن الخلافات بين الزوجين، ويزيد هذا الثمن حينما يقع الانفصال، فيصبح الاطفال عرضة للعنف، إما من زوج الام الجديد او من زوجة الأب الجديدة، او من المجتمع الخارجي من اصحاب النفوس المريضة الذين ينظرون الى هؤلاء الأطفال على انهم «مكسوري الجناح»، وبلا سند، فتكون حياة هؤلاء الأطفال معرضة لنوع آخر من العنف من شأنه أن يترك فيهم جرحا غائرا مدى الحياة، وقد يرافقهم طوال حياتهم.
المرأة ايضا في مجتمعاتنا تعد هدفا سهلا للعنف عند الرجال الذين يعانون مشاكل نفسية او اجتماعية او اخلاقية في حياتهم، فيفرغون شحن امراضهم في الركن الضعيف من المنزل أي المرأة، ويحدث ذلك على الرغم من التعاليم الدينية للبشر بتكريم المرأة وصون عفتها، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سبق كل دعاة حقوق الانسان في العالم قبل اكثر من الف واربعمائة عام، عندما اختار الحديث عنها في حجة الوداع، حين قال: «أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، اوصيكم بالنساء خيرا». واليوم تصاغ المواثيق الدولية المتعلقة بإيقاف العنف ضد المرأة ولكن دون جدوى، فقد صادق نحو ثلث دول العالم على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صدرت في مايو 1984 عن الأمم المتحدة. ولكن بقي الوضع على ما هو عليه.
ويبدو ان المشكلة تكمن في طريقة العلاج بالدرجة الأولى، فإيقاف العنف بكل اشكاله يبدأ بالتوازي بين الدولة والاسرة، فالاولى عليها توفير مجتمع صحي من حيث سبل العمل والقضاء على الفراغ لدى الشباب. ومن وجهة نظر المتخصصين في هذا المجال فان الذي يؤجج العنف هو غياب العدالة الاجتماعية، واستئثار فئة من ذوي النفوذ في المجتمع بالمال والثروة والتسلط السياسي والاجتماعي، وضعف أو انعدام تكافؤ الفرص في المشاريع والحقوق الاجتماعية الطبيعية والمدنية المتمثلة في التعليم الجيد، والعمل المناسب، والعلاج الصحي السليم، والسكن الملائم. وعلى الاسرة ان تكرس مفهوم الرفق بين الزوجين اولا، فحين ينشأ الأطفال في جو مشحون في المنزل، كالصراخ بين الزوجين والضرب والاعتداء، فسوف يكبرون وهم يحملون في نفوسهم العلل والامراض النفسية، والأقسى من ذلك أنهم سيكبرون وفي قلوبهم بذرة عنف ما تلبث أن تنمو مع الأيام.
[email protected]