الظواهر السلبية، ليست فقط تلك التي تشكلت لأجلها لجنة برلمانية «لظس»، والتي تطالعنا في الشوارع بمناظر تخدش الذائقة العامة والضمير الاجتماعي، بل تتعدد الظواهر السلبية وتتلون وتتنوع مصادرها بما يجعل مسألة ضبطها من المستحيلات الثمانية، وذلك بعد المستحيل السابع المتمثل في أن يسود الوئام بين السلطتين.
الظواهر المعنية هنا هي ظواهر مخفاة وتحيط بها جدران وحواجز سميكة، ولا يمكن لأي أحد الاطلاع عليها سوى وعي الوالدين، وبصورة أخرى فهي تعني بشكل مباشر تسليم المفاتيح التربوية للخدم..هكذا وبكل بساطة تراجع حنان الأبوين، وارتبكت مقدراتهم التربوية، وتلاشت كل الأفكار التي من شانها أن تحقق للأبناء بيئة تربوية سليمة.
الشكل الظاهري لهذه المعضلة يبدو غير ذي أهمية، ولكن علماء التربية والاجتماع، وحتى الإنسان العادي، بدأوا يتلمسون نتائج وخطورة التسليم بكل مقدرات الأبناء للخدم الذين تحولت وظائفهم التي أحضروا لأجلها من القيام بأعباء المنزل كالطبخ والتنظيف، إلى دور المربين، والمفارقة الأكثر إزعاجا أنه ليس الخادمات فقط من تم تسليمهن اليوم مقاليد التربية، بل حتى السائقين اصبح لهم دور ـ بشكل أو بآخر ـ في تنشئة الأطفال، وذلك حين تغيب مراقبة الآباء والامهات عن طبيعة العلاقة التي تنشأ بين ابنهم المراهق والسائق، وأي ثقافة يبثها السائق بوعيه البسيط وخلفيته العقائدية والثقافية المختلفة، في عقول اطفالنا.
تشير الدراسات إلى أن هذه الظاهرة قد «أفرزت مشاكل اجتماعية وسكانية خطيرة أبرزها تدهور الانتماء لدى الطفل الذي يتربى على أيدي امهات لا يمتتن بصلة لمجتمعه وبيئته أو لغته وبالتالي يشب الطفل متعلقا بأم ليست أمه الحقيقية ويتشرب أخلاقها وأسلوبها في الحياة.. وأن السلوك السلبي لدى أبناء وبنات الجيل الجديد يعود بشكل أو بآخر إلى تأثير العمالة المنزلية والمربيات الأجنبيات على الأفراد منذ نعومة أظفارهم حيث يتبلور هذا السلوك السلبي في اتساع دائرة الزواج من أجنبيات كما هو حاصل حاليا، وزيادة نسب الطلاق».
وهذه نتائج تبدو حتى الآن في المنظور القريب، ولا ندري كم يكون تأثيرها على المدى البعيد من ذوبان لهويتنا، وتراجع في القيم لدى جيل نعول عليه الكثير في مستقبل البلد.
وقد تلمست ذلك على أرض الواقع من خلال مشهد مؤثر في مطار الكويت، إذ كان الطفل يتعلق بأذيال الخادمة المسافرة ويبكي بصراخ وحرقة محاولا التحرر من حضن امه الحقيقية التي فشلت كل محاولاتها في إعادته الى حضنها.. ليس فقط حضنها الجسدي، بل ربما حضنها المعنوي.. فهل بعد ذلك نستغرب ان تصبح واجبات بر الوالدين تحتاج الى اعلانات في الشوارع؟
[email protected]