في الوقت الذي تطالب فيه بعض الجمعيات والمؤسسات بزيادة حجم الدعم الحكومي لها، ومؤازرتها ماديا وإعفائها من أعباء مالية تترتب عليها. وفي الوقت الذي يطالب فيه الأفراد أيضا بإسقاط القروض وتقديم تسهيلات اقتراضية أكبر ودعم مالي أكثر في الإسكان والنواحي الاجتماعية. نقول في هذا الوقت نجد أن هناك خطوات حكومية تسير باتجاه فرض النظام الضريبي، وهذا يعني أن صراعا محتملا سينشأ بين السلطتين التشريعية من جهة والسلطة التنفيذية من جهة أخرى، فالموضوع لن يمر بسهولة، وأن ثمة عقبات ستعترض تطبيق القانون وتنفيذه.
على مدى سنوات طويلة اعتاد المواطن عندنا على نوع من الرفاهية والدلال وعدم تحمل المسؤولية، واعتاد أيضا أن يجد كل شيء جاهزا أمامه من غير أن يدفع أي ضريبة، وبالتالي فإن فرض قانون يقلب كل تلك الموازين سيكون تأثيره كبيرا على الناس.
لذلك فقد بدأ الانقسام في الشارع الاقتصادي، إذ يرى بعض المحللين والأكاديميين المتخصصين في علم الاقتصاد أن الدولة ليست بحاجة ماسة للدخل والإيراد الإضافي ويتساءل هؤلاء: «هل من المناسب فرض ضريبة على كاهل المواطنين في حين أن الدولة تملك فوائض مالية ونفطية كبيرة تقدر بستة مليارات سنويا»؟ بينما يرى آخرون أن النظام الضريبي لابد من تطبيقه بيد أن الخلاف يكمن في آلية تطبيقه ويتساءل هؤلاء أيضا: هل سيتم تطبيق القانون على طبقات المجتمع كافة؟ وكيف سيتم فرض الضريبة، على دخل الأشخاص أم ماذا؟ ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن: «فرض الضريبة أمر جيد كونه يحسن سلوك الفرد والشركات وفي الوقت نفسه يعتبر أداة بيد الحكومة لتوجيه الأنشطة الاقتصادية».
إذن لابد من منطقة وسطى تلتقي فيها الأطراف، وهذه المنطقة تتمثل في وجهة النظر التي يمكن أن تكون معتدلة، وهي أن الحكومة إذا كان لابد من فرض الضريبة فعليها أن تحسن من خدماتها التي تقدمها للأفراد الذين سيساهمون بضرائبهم في أعباء هذه الخدمات، كما يجب ألا تكون البداية بالأفراد قبل الشركات. الأمر الآخر والأهم هو أن يتم تهيئة الشارع والتمهيد له عبر التثقيف الضريبي قبل أي إرساء ثقافة النتائج الضريبية الايجابية على المجتمع قبل أي فلس يفرض على المواطن، وذلك كي تتم عملية تقبل فكرة الضريبة على اساس أنها جزء من نظام اقتصادي موجود في أكثر الدول تقدما، وهو مساهمة من الفرد في بناء دولته، لا أن يقدم القانون على انه عقوبة أو اقتصاص من دخل الفرد.
أما الأهم من هذا ومن ذاك كله، فهو ألا يصادر بعض أعضاء مجلس الأمة هذه القضية لصالح برامجهم وحملاتهم الانتحابية فيتكسبون منها على حساب الدولة وحساب الفرد في آن معا. لأنه في هذه الحالة سيجد المواطن نفسه انه امام ضريبة من نوع آخر هي ضريبة ثقته بالنائب.. وهذه هي الضريبة الأقسى.
[email protected]