هل للفساد ظل؟ هذا السؤال يفرض نفسه بشكل تلقائي، ومن دون نية مبيتة، حين نجد ان بعض المتورطين في قضية فساد ما يغادرون البلاد بسهولة، وكأنهم يعتمرون قبعة الإخفاء، فقبل فترة تمكن فاسد من سرقة صندوق إعانة المرضى وغادر ثم ظهر من بلده يصرح وكأنه لم يقترف سوى مخالفة صعود باص من دون تذكرة، وقبل فترة تم اكتشاف مواد فاسدة فألقي القبض على هذه المواد، بينما فر الفاسد خارج البلاد وحتى الآن ننتظر تصرفا حازما وحاسما ينهي تلاعب الفاسدين بصحة الناس التي لم يكفها التلوث ليسرطنها، بل ساعدها في ذلك تجار الأغذية الفاسدة.
أحد باعة الدجاج المشوي سألوه عن الطريقة التي يحقق بها الربح الوفير، فأجابهم بأنه يشتري الدجاج الذي عليه مهلة يوم واحد لانتهاء الصلاحية، وبذلك فهو يحصل عليه بأرخص سعر ممكن، ولكن ماذا لو لم يتم بيع الكمية كلها في اليوم نفسه؟ هذا يعني أن الدجاج سيشوى وهو منتهي الصلاحية، هذا طبعا على صعيد الفساد الغذائي ونذكره لخطورته على الناس وعدم الاستهانة به مطلقا.
ولكن في المقابل هناك أشكال اخرى من الفساد تذكرها بعض الدراسات مثل: «انتهاك القوانين، والاعتداء واتخاذ مزايا الثغرات القانونية واستغلال السلطة، ومنها يتفرع: المحسوبية والرشوة وهدر الأموال واختلاسها، والابتزاز، واحتكار السلع الأساسية أو الخدمات». بعض هذا الفساد ظاهر للعيان، وبعضه الاخر غير منظور، والنوع الثاني هو الاخطر لانه من الصعب إثباته وبالتالي من الصعب محاسبته قانونيا.
وتشير الدراسات الى ان الفقر أحد أبرز دوافع الفساد، وهذا ما يفسر ظهور الفساد عندنا بوتيرة أعلى بعد ظهور شريحة من ضحايا تجار الإقامات، الذين أصبحوا يصنعون الفساد اما على شكل رشاوى او محسوبيات وهذا ما يفسر اكتشاف شبكات بين الوقت والاخر في دوائر حساسة، بعضها يتاجر بتصاريح العمل او الاقامة او حتى رخص قيادة السيارات وغيرها من التجاوزات التي يكتشف بعضها فيتصدر صفحات الصحف وبعضها الذي يمر على غفلة من عين الرقباء، وهذا الأمر لا يخص الكويت وحدها، فتقرير منظمة الشفافية الدولية عن حالة الفساد في العالم لسنة 2010 أظهر أن ثلاثة أرباع دول العالم تقريبا شديدة الفساد.
ولكن هذا يجب الا يعطينا المبرر لتقبل فكرة ان يكون الفساد أمرا طبيعيا، فهو قد يكون كذلك في الدول التي تفتقر الى شفافية او الى قوانين ودساتير، بينما نحن في الكويت لدينا مؤسسات مجتمع مدني، أو هكذا يفترض، وبالتالي فمن غير المبرر أن ننخرط في قائمة منظمة الشفافية العالمية.
ربما ان الذي يحد من الفساد هو عملية الخصخصة، لأن المال الخاص احرص على نفسه من المال العام، ولكن الأهم من هذا وذاك أن تتم مكافحة الفساد منذ الصغر، عبر سلوك تربوي يبدأ نظريا من المنزل ويمر بالمدرسة فالجامعة، ثم يأتي التطبيق العملي في أول يوم وظيفة.
[email protected]