سبـــق أن تناولت في مقالة سابقة موضوع الـنــزعــــات الاستهلاكية الخاطئة، وما يترتب عليها من أضرار، ولأن الموضوع أوسع من أن يتم حصره في مساحة ورقية ضيقة، فكان لابد من الرجوع إليه بما يستجد من معطيات من شأن طرحها أن يفيد.
وقبل أن أدخل في التفاصيل لابد من التلميح بمعنى الاستهلاك الخاطئ، ويتمثل في عدم وجود وعي استهلاكي عند الفرد أي ان لديه خللا في حاجاته وانتقاءاته الشرائية، وقد يصل الأمر الى وجود عامل نفسي في الموضوع، وهذا يدخلنا في أنفاق اخرى لا مجال لذكرها، او ربما تحتاج الى متخصصين في علم النفس والاجتماع.
ويرى بعض المحللين الاقتصاديين أن النزعة الاستهلاكية عندنا بدأت تظهر في نهاية القرن التاسع عشر بينما بدأت في الغرب قبل ذلك بفترة أطول. وهذا يعني أنها تواكبت مع الثورات الصناعية والتكنولوجية الهائلة التي عملت تحولا في مفهوم السلعة من كونها حاجة ضرورية إلى كونها حاجة ترفيه أو كمالية، وهو ما أدى ببعض البلدان الى فرض ضريبة تسمى بضريبة «الرفاهية»، ولكن حتى هذه الضريبة لم تحدّ من شراهة الاستهلاك.
ومع الايام أخذت النزعة الاستهلاكية أشكالا عديدة، فلم تعد تقتصر على الشراء من المتاجر، بل أصبح استخدام الفنادق وأماكن الترفيه نوعا من أنواع الاستهلاك غير المباشر، بما في ذلك السفر غير المنظم وخصوصا السفر بالأقساط أو الدين، وهو بالضبط ما نعاني منه في مجتمعنا الكويتي اليوم. وهناك اليوم من يستثمر أو يبتز ببراعة هذه النزعة الاستهلاكية الخاطئة لدى الناس، فيبتكر أساليب دعائية براقة تجذبهم وتدفعهم للشراء بشراهة ونهم. وهذا ما يفسر الانفاق الفظيع على الدعاية والاعلان من قبل الشركات التجارية كبيرها وصغيرها.
كما ابتكروا مواد جديدة للبيع لم تكن موجودة من قبل، واستغلوا بذلك المناسبات الخاصة والاعياد سواء الغربية منها او الشرقية. فأصبح كل شيء قابلا للبيع، بما في ذلك صرعات بيع قطع من الأرض على القمر، وأصبحوا يبتكرون الدمى والبطاقات والأوراق الملونة والصابون والعطور وورود الزينة، في مناسبات مثل «فالنتاين»، ومباريات كأس العالم وأعياد الميلاد والمناسبات الدينية، ثم وجدت الماركات العالمية أن ابتكاراتها، حتى الصرعات منها، تجد قبولا كبيرا لدى المستهلكين، فتشجعت على تطوير صناعتها فحولت اللباس الى زي موسمي يلبس لمرة واحدة عند الكثير من الناس.
وظهرت ـ حتى في الغرب ـ حركات مناهضة للنزعات الاستهلاكية العبثية، ولكن عندنا لا يوجد حتى الان مـــــن يــــأخذ على عاتقه تنظيم العملية الشــــرائية لدى الناس، ولا نقول مكافحتها، ولا يتعدى الأمر سوى تنبيهات توعوية تطلقها الدولة بين الحين والاخر حول استهلاك الثروات المائية والكهربائية، وهذا لا يكفي، ولابد من ايجاد ما يمكن أن نسميه «ثقافة الاستهلاك»، وهو الدرس الذي يفترض ان يتعلمه الفرد في البيت والمدرسة والجامعة، لأن الاستهلاك الخاطئ، هو نوع من أنواع الانتحار الاقتصادي للفرد أولا، والتي تجر بعدها ثانيا وثالثا.
[email protected]