ما يجب ان نعيه ونحن نشاهد العالم يتأجج بهدف التغيير، أن المسألة ليست استنساخ حالة واحدة على الجميع. وصحيح ان معطيات العالم العربي تتشابه معظمها، الا ان ثمة فوارق جوهرية، لابد من النظر اليها بعقلانية، بعيدا عن المشاعر العاطفية، والتي هي حق من حقوق الشعوب ولا احد بإمكانه استلابها منها.
فالحالة التونسية تتماثل مع الحالة المصرية في جوانب، وتختلف عنها في جوانب أخرى. ولكن النتيجة كانت واحدة، مع بعض التباينات. وكذلك فقد تتشابه الحالتان مع الحالة الليبية واليمنية، وتختلفان أيضا في جوانب أخرى. أما ما حدث في البحرين والكويت، فهو أمر آخر لا يمكن بحال من الأحوال ان يتطابق مع الحالات السابقة.
وباسترجاعنا للحالة التونسية والمصرية والليبية واليمنية، نجد أن الحراك الشعبي الذي جرى في تلك الدول، كان دافعه الأول اقتصاديا، وبدأه شاب في تونس هو محمد بوعزيزي، كانت السبل قد ضاقت به، ولم تنفعه شهادته الجامعية، ولم يقبل به حتى عمل أقل من مؤهلاته، حيث حاصرت البلدية لقمة عيشه، وصفعته شرطية، وذله موظف حكومي، فلم يتبق له من فسحة الدنيا سوى مساحة عود ثقاب. والمفارقة ان هذا حدث في تونس، رغم ان معدل البطالة تقلص في السنوات الاخيرة، ورغم ان دخل الفرد تحسن، كما تشير بعض الدراسات، ولكن كل هذا كان غير كاف في ظل عدم تكافؤ الفرص، وفي ظل التفاوت الكبير بين ما يحصل عليه أصحاب النفوذ المقربين من الرئيس المخلوع بن علي وزوجته، وما يناله المواطن العادي.
هذه الحالة تتشابه كثيرا بين الدول التي ذكرناها، والتي هزم بعضها النظام، كما في تونس ومصر، والأخرى تسعى الى ذلك. ولكنها لا تتشابه بحال من الأحوال مع التظاهرات التي خرجت في البحرين والكويت، فبالنسبة للحالة البحرينية، هناك مزيج من الدوافع التي اختلطت بها العوامل الاجتماعية مع الدينية، اما في الكويت، فالتظاهرات كانت مختلفة تماما، كون افرادها ليسوا من المواطنين، ولكون المطالبات لها خلفيات معقدة ومتداخلة، وبعض خيوطها متشابكة الى درجة الصعوبة المطلقة في حلها أمام المتظاهرين بلمسة سحرية. ولكن هذا يضعنا أيضا امام «قنبلة» موقوتة، قد يتكرر انفجارها في اي لحظة، لذلك فإن ترك هذه القضية معلقة ليس في صالح الحكومة، وكما هي ليست في صالح غير محددي الجنسية، ولا في صالح استقرار أمن البلد ومشاريعه التنموية. وبالتالي فمسألة تشكيل اللجان أصبح غير مجد، والأفضل هو اتخاذ قرار حاسم، وفق الأنظمة التي تضمن تطبيق الدستور والقانون على مستحقي الجنسية، وبالمقابل من الأفضل اليوم ان تنأى الحكومة بهذا الموضوع عن المساومة النيابية، لأن مثل هذه القضية تعتبر بالنسبة لبعض النواب كنزا لا ينضب، كما أن مسألة حسم المسألة، ستفرز بين الذين يستحقون الجنسية، وبين الذين يخفون جوازاتهم، ليخربوا على غيرهم.
[email protected]