يوجب علينا اليوم تغليب مفهوم الدولة على مفهوم العقلية الفردية، فرغم مرور سنوات طويلة على دستورية الدولة ونظامها المدني، إلا أن بعض الأفراد لا يزالون يعتقدون أن الديموقراطية تعني مشاركة «الفئوية» في وسائل الحكم. ولأن الدولة استخدمت في السابق الأعراف والقيم الاجتماعية في التعامل، فقد أدى ذلك إلى استسهال التجاوز على القوانين من قبل بعض الذين فهموا المعارضة على أنها تشريع قوانين موازية لقوانين الدولة من قبل الأفراد، وإن كانت هذه القوانين شفوية وليست مكتوبة.
النظام السياسي عندنا في الكويت ظل ممسكا بأعصابه لفترة طويلة تجاه هذه التجاوزات، واعتبرها ضمن أسس الديموقراطية، ما جعل الحريات في الكويت في مراتب متقدمة عالميا، وكان من المفترض بهؤلاء المتجاوزين أن يأخذوا هذا التساهل بعين الاعتبار على أنه من دواعي الحرية وتقبل الرأي الآخر، لكن اتساع دائرة هذا الاعتقاد أدى إلى وجود وسائل للتعبير تحت مظلات غير دستورية، فلم يقنع هؤلاء بقبة البرلمان كوسيلة للتعبير رغم انهم كانوا نوابا فيها، ولا بوسائل الإعلام غير الرسمية والتي كانوا أيضا كتابا فيها، فاختاروا سبلا غير قانونية مثل الشارع ليعبروا عن آرائهم ومطالباتهم.
هذا الخروج غير المبرر أدى إلى خلخلة الكيان المؤسساتي، وأوجد جيلا لن يؤمن في المستقبل بإرادة الدولة، مما يشكل خطرا على مستقبل الديموقراطية في الكويت. والمطلوب اليوم أن ندرك ضرورة تماسكنا كنتيجة حتمية لعدم انهيار جدار الوحدة الوطنية أولا، وثانيا كيلا تتسرب إلينا الصراعات التي تدور إقليميا.
لو تتبعنا خط الاحتجاجات خارج النظم المؤسساتية لوجدناه في تصاعد، فمن ساحة الإرادة إلى الديوانيات إلى الشارع فالمواجهات مع رجال الأمن وتحديهم، مسافات من التحدي الذي إن لم توجد له الدولة حدا حاسما فسوف يؤدي إلى هشاشة السور الوطني، وما يحيط بنا في دول الجوار، مثال يجب أن ننظر إليه بجدية أكثر.
[email protected]