تحدثني قائلة: لقد أثرت غضبه عندما نشرت في ثمانينيات القرن الماضي خبرا صحافيا يفيد بأنكم كطلبة جامعة تعتزمون إقامة سوق خيري يعود ريعه لصالح نزلاء إحدى المؤسسات الإيوائية التابعة للوزارة.
في ذلك اليوم ترك الوكيل مكتبه في الوزارة وحضر الى مقر إدارتنا في مجمع دور الرعاية الاجتماعية ودعانا لاجتماع عاجل لمناقشة هذا الموضوع ومعرفة الموظف الذي اصدر ومنح التصريح لإقامة هذا السوق، افتتح الاجتماع مرحبا وسائلا الجميع: من منح طلبة الجامعة تصريحا لإقامة السوق الخيري؟ ومن هو الموظف الفذ الذي سمح لنفسه ان نشحذ من الطلبة ونستجديهم حفنة دنانير يجمعونها من هذا السوق؟ تضيف مديرة الإدارة المختصة: التفت نحوي سائلا: السوق لصالح إحدى المؤسسات الإيوائية التابعة لإدارتك واطلب منك الإجابة فورا.
قلت: سيد الوكيل اهدأ.. قاطعني لن أهدأ حتى أعرف الإجابة، قلت: نعم هناك سوق خيري سيكون... قاطعني والغضب يسيطر عليه.
لقد عودنا أثناء اجتماعاتنا معه على بساطة اللقاء وحميميته وحرصه على تحقيق الصالح العام وخدمة نزلائنا وألا نألوا جهدا في بذل كل ما بوسعنا لخدمتهم ورعايتهم، علمنا معنى المسؤولية بمفاهيمها الحديثة، الإدارة بمعاييرها الحقة، متواجدا بكل مكان، ليل نهار لا يهدأ له بال عند مرض نزيل وأول المشاركين في فرح الأيتام، فهو الأب والأخ قبل ان يكون مسؤولا، شعرت بالسعادة لهذا الرقي والأسلوب الحضاري الذي يعاملنا به، لا ينأى بنفسه عن المسؤولية، يتحقق ويجتهد لاستجلاء الحقيقة قبل أن (يبهدل) الموظف في دهاليز التحقيقات ويعطل مصالح العباد.
تكمل: (ليش يا سيادة الوكيل زعلان)؟ قال: أزعل لأن مثل هذه الموافقة يجب ألا تصدر من هيئة حكومية لتستجدي نشاطا طلابيا لدعمها ماليا وقد وفرت الدولة لها كل ما تطلب!! تضيف: في هذه اللحظة الحاسمة استأذنته بمغادرة الاجتماع لأعود إليه بعد لحظات قليلة وبيدي نسخة من كتاب موافقة الوزارة على إقامة هذا السوق ممهورا بتوقيعه!! تفضل يا سيادة الوكيل هذه نسخة من كتاب موافقتك وانت الذي وافق على إقامته!! وقع وكيل الوزارة بحرج، أعادت نسخة الكتاب لذاكرته بأنه هو من قام بإصدار الترخيص قبل فترة من الزمن ليست بعيدة لكن حجم المسؤوليات بددت ما في ذاكرته من معلومات حول هذا السوق، هكذا كان حرص المسؤولين على مواجهة مثل هذه المواقف وبلوغ الحقيقة الجلية بأنفسهم وعدم إطلاق العنان لشرذمة متسلقة للهمس واللمز وتوجيه الاتهامات وتأويل الحقائق وتصويب سهام حقدهم وحسدهم للكفاءات من الموظفين مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).