يتذكر العالم «ايلان» ذلك الطفل الكردي الذي فر والداه من الجحيم الى الجحيم معتقدين انهم متوجهين الى ارض الأمل، والكل تأثر من تلك الصور التي بثت على كل البرامج، والكل كتب والكل نسي والكل بكى والكل ضحك، آلام موجعة وأفراح مضحكة، نسيناه كما نسينا من قبله، معنويات وعواطف ترتفع وتصل الى عنان السماء، وغدا ليس لها أي ذكرى أو تأثير، وخاصية النسيان هي ما يعول عليه العقل الكسول دائما، وان كان التأثر بدون عمل فالاحتفاظ بالمشاعر افضل.
في جميع الدول المحترمة الناس هم من يقودون ويوجهون القيادة إلى ما يريدون، لا ان يندبوا حظهم ويبكوا ويعرضوا صورة ايلان من سورية أو الدرة من فلسطين او أم ثكلى من العراق أو طفلة من أفغانستان أو صغير من بورما أو غيرها من الصور المؤثرة كما عرضها غيرهم، أين فعلك انت؟ أين جهدك الشخصي؟ هل جمعت التبرعات؟ هل شاركت بحملات للتخفيف عن اخوانك؟ على ان تكون المشاركة تحت إدارة الدولة حتى لا يبتلعها اللصوص كما يحصل، هل دعوت لهم على الأقل؟ هل صليت لربك ان يخفف عنهم العذاب؟ ام إن أحسن الناس أحسنا وإن وضع الناس صور ايلان وضعنا، وهكذا وجدنا من سبقنا من المغردين يفعلون.. كالإمعة.
كم أحس بالخجل أمام ايلان وأطفال حلب وغيرهم الكثير بهذه المناظر المتكررة! وأحس بالخجل أيضا بهروب إخواننا بالاتجاه الآخر ولم يخطر ببالهم أن يلجأوا إلينا أو إلى دول الجوار، ولكن كنا هكذا منذ بداية الأمر، وهانحن نعيد الكره الآن، فقد لجأ الكثير من الصحابة الكرام الى أرض النصارى عبر بحر لم يعهدوا ركوب أمواجه نجاة بأرواحهم وهروبا من بني جلدتهم وأبناء عمومتهم إلى ارض ملك الحبشة «النجاشي» رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، والذي قال عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «ملك لا يظلم عنده أحد»، كما هرب أهل سورية الى أرض المسيحيين مرة أخرى الى أوروبا، أدام الله عليها الأمن والأمان لما بها من عدل وانسانية وان كانت نسبية، وانا هنا لا انظر اليها كأنها الجنة أبدا إلا انها افضل مكان للهروب حاليا، كم تمنيت ان تكون بلادنا الإسلامية مثلها وافضل منها، إلا انني أعلم أن هذه الأمنية لن تتحقق في العهد القريب أبدا، فالكل لديه وجهة نظر، والكل بطل، والكل له التاريخ المجيد والتاج العتيد، والغريب أننا كلنا أبطال ولكن أبطال على من؟! لا أعلم.
والله ان الصورة ما زالت مؤثرة جدا، وهذه إحدى المآسي وأبسطها إلا انها صورت ونقلت لنا عبر الأثير لكي نحس ونعلم بقدر المسؤولية الملقاة علينا وعلى حكوماتنا، وليس من الرجولة ولا الإسلام أن نفرح او نهلل لقتل الأبرياء في أي بلد كما حدث في نيس في فرنسا، وإن كان لفرنسا ما لها من التاريخ المخزي في التعامل مع الدول التي استعمرتها، فهم ليسوا القدوة التي نستمد منها طرق التعامل مع الأحداث والغضب، أما ان نكون مجرد صدى لردود أفعال وتابعين لمن غرد او كتب أولا، فلا اعتقد اننا على قدر اي مسؤولية كانت.
ولوكان «إيلان» حيا ووصل الى فرنسا أو غيرها من بلاد ملوك أرض الرحمة التي فر إليها لبكى على حاله وحال الأبرياء من الناس الذين قتلوا في شوارع نيس دون ذنب اقترفوه غير أنهم آمنين في بلادهم كما كان أهل بورما وحلب وبغداد والافغان واليمن وليبيا، ولا اعلم على من سنترحم لاحقا، وأسأل الله اللطف وألا يصيب أي مكروه احدى مدننا التي نحب.
[email protected]