حكم معاوية بن أبي سفيان العالم الإسلامي وقتا طويلا عبر الدولة الأموية عقب الخلافة الراشدة، وكان المتحكم في الأمر بالمجمل دون حدوث فتن تنزع منه الملك، وعند سؤاله عن سر ذلك قال: «إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا شدوها أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها»، كلمة تختزل كل علوم السياسة وكل منظريها من الأوائل مرورا بميكافيلي - الذي لو سمع بها لأتلف كتاب «الأمير» وخجل من نشره - الى أعرق الجامعات حديثا.
من يتابع الأحداث الإقليمية ويحمل في قلبه ولو القليل من الحب والولاء لكل محتويات جزيرتنا العربية يشعر بالمرارة والضيق الحقيقي لما يحدث فيها، هل كان كل ما كان كذبا؟ هل كنا نكره بعض الى هذا الحد؟ وإن كنا كذلك فلم لم نر هذا الكره طوال تلك السنين؟، أين منا «خليجنا واحد وشعبنا واحد»؟، من يبعد عنه نظرات التفاؤل ويتذكر الماضي القريب يعلم أن فرص حدوث مشاكل كهذه متوافرة وبقوة فنحن نتذكر عدم التوافق في الكثير من الأمور، وطول فترات الدراسة لكل شيء مع صعوبة اتخاذ القرار حول أي أمر كالضريبة الجمركية والحدود والتنقل والعملة والعلاقات الدولية والمواقف السياسية المتباينة والشقاق الاقتصادي حول بعض الأمور ومشاكل الموانئ وأحقيتها للدول، وغيرها الكثير من العثرات التي كانت تؤرق كل متابع حقيقي للشأن الخليجي دون رتوش المحبة وغض الطرف عن العيوب، وهانحن قد مررنا بأكثر من ستة وثلاثين عاما على وجود مجلس التعاون الخليجي الموقر ولم نجن مما زرع سابقا إلا قليل الثمار - لا وبعضها حامض - إلا أن هذا التباين لم يكن حجر الزاوية في العلاقات بيننا وتجاوز الكل عن الكل في الكثير من المصالح وهذا من حسن الجوار والمصلحة العليا للخليج عامة وهذا، والله، من صبر الرجال والحكمة لإدارة شؤون الدول.
هل لوجود قمة خليجية الآن أي أهمية؟ أم أننا ما زلنا نعيش أجواء الغمة والأزمة الخليجية؟ متى وكيف الحل؟
اما بعد ما حدث - وهو متوقع الحدوث خصوصا بعد سحب السفراء قبل ثلاثة أعوام تقريبا وعدم الالتزام بالاتفاقيات - أصبحنا الآن بحاجة الى جراحة وعملية كبرى عبر مجلس التعاون الخليجي وحكامه على أن يخدر فيها كل الجسد ويتدخل أفضل جراح لينهي هذه المعاناة ويقتلع كل أورامه الخبيث منها والحميد التي إن بقيت فستؤدي الى دمار الجسد بالكامل، ومن الطبيعي أن تكون هناك فترة نقاهة للجسم بعد كل هذا التعب وعليه الالتزام بأوامر الطبيب المعالج حرفيا، وإلا انقطعت شعرة معاوية وأصبحنا حبيسين بل مقرنين بأصفاد السياسة على أيدي من يكرهوننا لا رواد طرفي شعرة سياسية نخشى ان تنقطع.
[email protected]