دائما ما «نصنف» ومن ثم «نحكم» ونستند إلى ذلك لما سمعنا أو قرأنا وأعني هنا تصنيف الشعوب كأن نقول بالمطلق أن الشعب الفلاني شعب طيب والشعب الفلاني شعب جبان والفلاني يكرهنا وهؤلاء يحبوننا وأخطر هذه التصنيفات أن نصنف أحد الشعوب بأنه شعب متدين وغيرها الكثير من التصانيف التي فرضت نفسها على عقول الناس، المتبصر بالأمر يعلم أن هذا التصنيف مربك بالتعامل، فأنت افترضت أن الشعب الفلاني طيب مثلا واتضح لك حقيقة أنه ألد الخصام.. هنا كيف تتصرف؟ وبماذا تتقيه؟
اتعلم أين المشكلة؟... إنها بحجم وماهية توقعك أنت وما تركب في ذهنك عنهم وليست مشكلتهم هم فأنت الملام هنا.
كيف تتكون الفكرة النمطية لشعب؟ من قام بتأليف وتثبيت هذا التصنيف؟ وبأي أدوات عقلية أو علمية تم هذا التصنيف؟
سكنت في أحد الأكواخ الفندقية بجانب المسجد في مدينة ازنقول في الشمال التركي ـ وهذا النوع من السكن هو المتوافر بصورة رئيسية في تلك المنطقة بسبب طبيعتها الجغرافية ـ وكان المطل ـ أو البلكون ـ الخاص بسكني له عدة أوجه منها ما يطل بصورة مباشرة على مسجد بالكامل، ومن خلال متابعتي الشبه يومية لهذا المسجد الصغير بالحجم لاحظت ما لم ألاحظه في أي مسجد آخر أعرفه أو مررت به وهو مختلف حقا فهذا المسجد الصغير بالحجم كبير جدا بالعطاء، يحتوي على مكان للصلاة بكامل ملحقاته ومكان خاص لحضانة الأطفال بتوقيت معين ومكان خاص لحلقات تحفيظ القرآن الكريم وهي أيضا بتوقيت معين، وله شبه طابق مرتفع يفصل المصلين عن المسجد، والأغرب من ذلك التواجد الدائم لجيران المسجد والمصلين في المسجد فهم يجلسون في أحد زواياه الداخلية بكل وقار يتبادلون الحديث ويحتسون القهوة والشاي وهناك غيرهم يجلس بكل أدب على الدكة الخارجية للمسجد يتبادلون أطراف الحديث دون التحديق بالمارة، وفي المقابل سكنت في الكثير من الدول الإسلامية والتي تعتبر المسجد مكانا لإقامة الصلاة فقط أي لا حياة فيه غير الصلاة ولا وجود لأي مظهر من مظاهر الحياة داخله كجلسات الذكر وعقد القران والاجتماعات الطيبة والمناسبات وإدارة شؤون المنطقة أو استضافة أحد العلماء أو المفكرين أو غيرها من الأنشطة المفيدة للسكان حول المسجد وكأن هذه الدول تحرص على إعطاء صورة معينة عن ماهية المسجد للمسلمين في تلك المنطقة وتحرص كل الحرص على نزع إدارته لشؤون الحياة اليومية وإقصاء دور هذا الرافد الاساسي في حياتنا والأسباب هنا جهلها من جهل وعرفها من عرف، لقد كان المسجد سابقا محور الحياة بالنسبة للسلف الذين لم يقصوا أحدا ولم يقودوا المجتمع في اتجاه آخر يتعارض مع الفكر العام للدول وقادتها أبدا، ومن هنا أعود الى سؤالي الاول كيف نصنف الشعوب؟ وهل الشعوب الإسلامية التي حجمت دور المسجد كالتي فعلت دور المسجد؟ وهل هؤلاء أفضل من هؤلاء؟ وهل نستطيع أن نطلق بالعموم على شعب متخاذل يعتبر نفسه متدينا بأنه شعب متدين فقط لأنه يهتم بنظافة المسجد وشعائر المسجد، يقول المولى عز وجل (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا).
[email protected]