«عك» هي قبيلة عربية يمانية عريقة ذات فصاحة لسان ونسب رفيع، وكانت عند زيارتها لمكة وقت الحج تلبي بصورة غريبة وبالغة الفصاحة وكانت تقدم أمامها عبدين شديدي السواد في مقدمة الطائفين منها ويبدأ العبدان بالتلبية بأن يقولا نحن «غرابا عك» أي نحن عبيد قبيلة عك وبعدها يردد أبناء القبيلة بأن «عك إليك عانية»، «عبادك اليمانية»، «كيما نحج ثانية»، «على الشداد الناجية»، وهكذا حتى ينتهوا من الطواف، ومن هذا يلاحظ أهمية موقع تواجد الغرابين فهما من يدخل مكة قبل أفراد القبيلة وهما من يعرفان بالقبيلة ويقودانها للطواف في أشرف مكان، إلا أن ما غاب عن هذين الغرابين أنهما لا يحق لهما بل لا يكتب لهما من حجتهما مع قبيلتهما وأسيادهما إلا التعب، فالمملوك لا حج له وما هو إلا أداة في يد من يملكه لا أكثر، وإن كان ذا مكان رفيع ويقدم في الكثير من المحافل فلا قيمة له ولا لتقديمه أبدا، ومن الممكن أن يعوض بأي غراب آخر وسيؤدي الغراب الجديد نفس الدور بالضبط وأيضا لا حج له ولا يناله إلا التعب والنصب كما نال غيره من الغربان، كم يذكرني «غرابا عك» بصبيان الحكومة - الصبي بكسر الصاد تعني الخادم باللهجة المحلية - بالقلة من بعض النواب وصبيان بعض التجار الذين يهرفون بما يبلغون، وكل واحد منهم له دور محدد لا يتجاوزه أبدا، فمن يتعاطى السياسة كمشروب يومي يعلم علم اليقين أن أي سياسي لم يتكلم بموضوع معين بوقت معين كالتذكر وبصورة مفاجئة مهام أحد السياسيين أو احدى القيادات أو أحد الوزراء دون سابق إنذار إلا لهدف أو توجيه معين، وإلا فأين أنت ومتابعتك المستمرة كنائب كل هذه المدة من عملك بالمجلس لأداء أحدهم خاصة إن كان ممن تلتقيه وبصفة دائمة؟ ويختلف الصبيان باختلاف القدرات فمنهم من تخصص بالرد العقلاني ومنهم من تخصص بالدفاع المستميت عن أي فكرة وأخطرهم من يترك للهجوم الشرس وتقطيع الخصوم، كم يعتقد هؤلاء الصبيان أنهم مهمون وذوو شأن، وقد علم هذا الغراب أنه لا يعدو أن يكون إلا مملوكا ولا تتجاوز شهرته إلا ما يقدمه من خلال التعريف «لمعازيبه» في أماكننا وإعلامنا وعتبات وطننا التي تسمو فوق سمو من يتقدم.
إلا يذكرك غرابا عك بأحد؟ هل تعرف احد الغربان؟ وهل تعتقد أنه مهم؟ هل تعلم كيف أصبح هذا الغراب غرابا؟ هل تعلم ما الأدوار التي (يتشيم) عنها معازيبه ويؤديها هو؟ هل تعلم بالتفاصيل؟ هل تعلم ماذا يستفيد؟
والله لو تعلم بأقل التفاصيل لما تمنيت أن تكون مكانه وأنت ممن يحمل روحا حرة وكرامة يتحلى بها الرجال ويحمل في قلبه حبا حقيقيا لهذا الوطن بكل مكوناته.
[email protected]