كم كانت مناهجنا الدراسية جميلة جدا والأجمل التصاق الكثير منها في زوايا ذاكرتنا اليومية بالصور والأناشيد والقصائد ومنها أتذكر الأجمل لأمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا
ومشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينا
ويقول الحمد لله إله العالمينا
يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
من هو هذا الثعلب ولم نصب نفسه من الواعظينا وما الجرأة التي جعلته يخطب في الناس منفعلا، فعلا.. لا بد أن ينظم كل شيء وأن نسمي الأشياء بمسمياتها وذلك من عزم الأمور ولا يترك أمر تنظيم أي فكرة بيد أي أحد دون أن نعرف من هو؟ والعرب تقول:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ـ ولا سراة لهم اذا جهالهم ـ أو مجانينهم أو مرضاهم النفسيين أو المؤدلجين أو رجال الاستخبارات أو الأقزام ـ سادوا.
في الثمانينيات الى بداية التسعينيات كان الجهاد ضد الروس في أفغانستان هو المقدم في الخطاب الديني في بلادنا العربية وكان تجييش الناس وتحميس الشباب كأنه واجب شرعي للزج بهم للحاق بتلك الحرب ضد الكفار والملحدين الذين لا يصح عن أي إمام للإسلام أو مسلم عادي التعامل أو التعاطي أو الجلوس معهم فهم رجس من عمل الشيطان بل كانت الأناشيد والقصائد الحماسية تدور وتوزع عبر أشرطة الكاسيت كأنها الواتساب أو التويتر حاليا، وكم أذكر احد تلك الأناشيد حين يقول:
(كابول فانتظري فجري ولا تنمي .. بارودتي بيدي وبجعبتي كفني)
وقصيدة (أبتاه ماذا قد يخط بناني .. والحبل والجلاد منتظراني)
حيث قالوا لنا انها كتبت من أحد الأسرى العرب المسلمين الذي سوف يعدم غدا ففزعوا له بالنصرة والدعاء وبالمال وبالجسد، واتضح لاحقا انها قصيدة لشاعر مصري فذ اسمه هاشم الرفاعي وقد قتل هذا الشاعر في عهد ثورة الضباط الأحرار في مصر عام 1959 أي قبل الحرب السوفييتية الأفغانية بعشرين عام تقريبا! بل كنا نسمع القصص العجيبة بأسلوب «حدثني احد الثقات» واسلوب «جاءني طيف كريم في المنام» ويسترسل كأنه حاضر لتلك الوقائع، كأن تأتي أسراب طيور لتحذر المقاتلين بقدوم الطائرات الروسية وكيف يستسلم الأعداء بالدعاء المجرد وكيف تكون رائحة المسك التي تفوح من قتلى الأفغان وغيرها من الحكايات العجيبة التي لم نكن نستطيع إلا أن نصدقها فالثقات هم من حدثونا عن الثقات، والأغرب اننا اعتبرناهم ثقات وهم لا عمل لهم إلا التأجيج ونقل الحكايات بين الناس بالمجالس والمساجد والأشرطة ولم يشاركوا هؤلاء الأبطال الأسطوريين الثقات ولو بلعبة (مقصي) في كابول ـ مقصي لعبة شعبية محلية - بل لم يساهموا بتعبية مطارة ماء واحدة لمتسلقي الجبال في تلك البلاد البعيدة، كذب مسترسل من كذابين لا دين لهم الا ما قال رجال الاستخبارات الذين يديرون شؤون الحرب هناك، لست فقيها بالجهاد ولكني أعلم أن الجهاد ينتهي بانتهاء مقصده، فتسلم الأرض لأهلها ولا يدخل المسلم في نزاع دنيوي لا يهمه كمقاتل جاء للجهاد فقط ولا يبتغي من سفره إلا الموت في سبيل الله أو أن يرابط على أحد الثغور لحماية الدين، سبحان الله يتكرر المشهد دائما ولكن بالمؤثرات الجديدة والسياسات الحديثة والمصالح الدنيوية حتى الدعاة الكذابين هم هم لم تتغير إلا أسماؤهم ووسائل تواصلهم فقط.
لا تعتقد أنك في منأى عنهم في وطنك ولا تعتقد أنك آمن من الفتن ومن هؤلاء الثقات أصحاب الثقات فهم كالخلايا النائمة متى ما وجدوا البيئة المناسبة للعمل ظهروا بلباس التقوى وأسبغوا على أجسامهم ثياب الورع كما خرج الثعلب يوما كأمام للواعظين، وطبعا مخطئ من يظن يوما أن للثعلب دينا.
[email protected]