مسرحية «دراما الشحاذين» أعادتنا الى الزمن الجميل، زمن المتعة بفن راقٍ يناسب كل أفراد الاسرة، ويسلط الضوء على قضايا المجتمع بأسلوب مميز، دون اسفاف او ابتذال، المسرحية من تأليف بدر محارب ومن إخراج عبدالعزيز صفر، وهي من نتاج المجلس الوطني، وبعيدا عن الممثلين الذين أبدعوا في توصيل رؤية المخرج والمؤلف، ودون التدخل في الديكور الذي نفذ بطريقة متناغمة مع الإضاءة، وبلا تعليق على المؤثرات الصوتية التي جاءت بحساسية شديدة للعمل المسرحي وأعطت الإيماءات المطلوبة لرؤية المخرج والمؤلف، بعيدا عن كل هذا سنتطرق لتيمة المسرحية أو فكرتها التي كانت رسالة مميزة للجمهور أثبتت أنه إلى الآن يوجد مسرح يمكن للمواطن أن يحضره مع أسرته دون الخوف من خدش الحياء بالألفاظ والإيماءات التي نشاهدها ونسمع عنها في بعض المسارح التجارية.
عندما ذهبت لمشاهدة هذه المسرحية وجدت الأسرة بكاملها تتابع أحداثها وتستمتع بها، وهذا ما يفتقده المسرح ليس فقط في الكويت بل في كثير من مناطق العالم العربي، وهذه الجزئية تميزت بها دراما الشحاذين، أما بالنسبة للرسالة التي أراد المؤلف والمخرج توصيلها للجمهور من خلال أدواتهما المسرحية (حركة الممثل ـ الحوار ـ الصوت ـ الديكور ـ الإضاءة) فكل هذه العناصر عكست رؤية المخرج لتوصيل رسالة المؤلف وهي الواقع المعايش للفرد في المجتمع وأخص الواقع السياسي، بين كل من السلطة التنفيذية التي تمثلت بشخصية رجل الشرطة في المسرحية والسلطة التشريعية التي تمثلت بشخصيات الشحاذين أما المجتمع فكان هو جمهور المسرحية.
إذن أصبحنا مثلثا ثلاثي الأضلاع الكل يكمل الآخر والكل ينتظر قرار الآخر، ذلك هو واقعنا وذلك هو ما شاهدناه، فالمسرحية تدور حول مجموعة من الشحاذين الذين يسكنون في حي شديد الفقر، وهذا هو ما يمكن إسقاطه على مجلسنا الذي بالرغم من جمال موقعه وديـــــكوراته إلا أنه يتصف بفقر القرارات، المهم يتجمع الشحاذون عند منتصف اللـــيل في وكر، ويأتي كـــــل متسول أو شحاذ ليحتمي بقائد الشــحاذين وفجأة يدخل عليهم قائد الشرطة ويسألهم عما يفعلونه، فيوهمونه بأنهم يقومون بعمل بروفات وبالفعل يصدقهم بل يقوم بالتمثيل معهم كما الحال في مجتمعنا ومن خلال حوارات الممثلين تطرح قضايا كثيرة تخص المجتمع، منها على سبيل المثال لا الحصر عدم الاختلاط وحرية التعبير وما شابه ذلك من قضايا نسمع الأحاديث الكثيرة عنها دون التنفيذ، وهذا ما أراد المؤلف توصيله من خلال المخرج ورؤيته.
إننــــا نــــعيش داخـــــل مــــسرحــــية ونعرف ممثليها ولكن هل هذه المسرحية ستقدم أو تعرض أو قد يسمع البعض عنها؟ الإجابة: (لا)، فقط من يسمع عنها ثلاثية الأضلاع كما ذكرناهم من قبل وهذه النتيجة تجسدت بموت البطلة التي قتلت على أيدي كبير الشحاذين أمام رجل الشرطة ظنا بأنها نهاية المسرحية مع أنها الواقع الـــمرير الذي يحدث في مجتمعنا وهو طرح قضايا المجــــتمع وإقامة اللجان التي تشكل مسرحية وهمية لا أحد يسمع عنها غير صاحب الشكوى، وفي النهاية تموت القضية أمامنا وأمام من هو المسؤول دون الحلول أو التحقيق، تلك هي قيمة الفقير ونحن للأسف أصبحنا مجتمعا فقيرا، شكرا لكل من ساهم في ذلك العرض المسرحي وكشف صورة قد تكون غائبة عن ذهن البعض، ولكن تلك هي الحقيقة أننا نعيش في زمن دراما الشحاذين.
كلمة وما تــنرد: نـــــأمل من المـــجلس الوطــــني للثقافة والــفنون والآداب تـــقديم المزيد من تلك المسرحيات الراقــــية وإعطاءها حــــقها من الإعـــلام عنها ليتسنى للجمهور مشاهدة تلك النوعية الراقية.
[email protected]