نرمين الحوطي
الامانة فضيلة، والخيانة رذيلة، وهي التي يجب ان نلقي الضوء عليها، حتى نتجنب دوافعها وهي كثيرة ولكنها محسوسة واضحة لكل ذي عقل، فالخيانة احدى وسائل الشيطان الذي يتحدى بني البشر في دنياهم المحدودة المساحة الزمنية اذا قيست بعمر الإنسان، وطريقها مهما طال لابد في لحظة ان يصل للنهاية، التي تشكل في الغالب مأساة على قدر حجمها، وهي ايضا أحد مكونات الشر دائم الصراع الابدي مع الخير الذي يحكمه الضمير والارادة، ولكن الضعف البشري بمساندة الشيطان اليقظ دائما يهوي بالفرد الى القاع الذي ينعم فيه باللذة المحرمة والمؤقتة ايضا حتى اذا تكشفت له الحقيقة الغائبة كانت النهاية المؤلمة.
لقد تناولت الدراما الاغريقية هذه المشكلة الاخلاقية في كثير من أدب المسرح في القرن الخامس قبل الميلاد وما بعده، كذلك كانت الديانات السماوية كلها تحث على الابتعاد عن تلك الآفة الاخلاقية التي تذهب بصاحبها الى عذاب الآخرة بالاضافة الى عذاب دنيوي ايضا، وقد تناول الكاتب الانجليزي وليم شكسبير في احدى مسرحياته الدموية الاربع «هاملت» هذه القضية ضمن قضايا اخرى وهذا يعد ثراء للمسرحية، تناول الكاتب مفهوم الخيانة مجسدا في مواقف ثابتة تشكل الاساس الذي شكل البناء الدرامي ككل، من خلال احدى الطرق التي تمهد للدخول في دائرة الخيانة وهي الحقد والطمع، من طرف قريب «الاخ» يشاركه الجريمة طرف اخر، كان الدافع له الرفض للواقع المنطقي وهي «الزوجة» والضحية هنا هو «الزوج» الملك الذي كان مطمعا للاخ ومرفوضا من الزوجة لكي يلتقيا عند هدف شيطاني، التخلص من الملك، القتل، الخيانة كانت مزدوجة نفذها الاخ على مرأى من الزوجة التي باركت هذه الفعلة، وكما قتل قابيل هابيل في بداية الحياة كررها ذلك الاخ وزاد عليها باعتلاء كرسي السلطة، وزيادة على ذلك ولكي يكتمل نقل الارث يتزوج الملكة «الزوجة».
هكذا كانت الخيانة، لقد قتل الاخ اخاه وهو ثمل، مخطئ، وجلس على كرسيه لكي يجعل الابن في حيرة من امره لهذه المهزلة التي تتم امام عينيه حتى انه يعترف لنفسه بالقول «ان اللحم الذي قدم في جنازة ابيه ساخنا، هو نفسه الذي قدم في عرس امه باردا» دهشة، كان يريد ان يصل الى الحقيقة، يحاول ويجتهد حتى يصل ويقف على المؤامرة التي نفذت بدقة وهو يرثي لموت ابيه والحالة التي مات عليها، حينما علم بتكرار المؤامرة التي ستقضي عليه هو ايضا وبأوامر الملك الجديد «عمه» زوج امه، ثم اخيرا يكون هاملت هو نفسه اداة القدر الذي حكم على الخائن بالقتل، بالسيف وبالسم امام حاشيته، فالخيانة كانت في البداية وها هو الجزاء الدنيوي في صورة انسان يثأر لأبيه، في النهاية، الخيانة لا تدوم ولكن الجزاء آت لا محالة.