نرمين الحوطي
إن الموسيقى في حياتنا منذ خلق الله الإنسان حتى نهاية البشرية كانت ومازالت عاملا مؤثرا في حياة الكائنات الحية، إنسان - حيوان - نبات، دون ان يصل الانسان الى هذه الحقيقة الا مؤخرا، ولكنها واقع حي عاش مع الحياة وأثر فيها سواء كعامل طبيعي «أصوات الطيور والرياح وما شابه ذلك»، الى ان توصل الانسان الى الآلات الأولية عند قدماء المصريين وطورها الى ان اصبحت في عصرنا وقد اتخذت اشكالا متعددة.
واذا عدنا الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فسنرى ان الموسيقى قد انتشرت في أوروبا بشكل ملحوظ، وساعد ذلك على ازدهار الموسيقى الكنائسية وقد برع الكثير من عازفيها ليشكلوا فنا له جمهوره يؤثر في الوجدان ويلهب الشعور حتى ان الحركات الداخلية والثورات التي قامت خصوصا الثورة الفرنسية، التي اثرت في كثير من بلدان أوروبا، كانت الموسيقى عاملا أساسيا لتحريك الوجدان فيها.
أما القومية بمعناها، الذي يرتبط بالموسيقى فقد تركز على دولتين في بادئ الأمر، ألمانيا والنمسا، أي انها لم تتخذ معنى العالمية، بل كانت محددة في اطار مكاني، وفي الوقت نفسه كانت الموسيقى في فرنسا وايطاليا تتخذ شكلا مختلفا، فالموسيقى تحددت هنا بمكان له طابع من خلاله عرفت على مستوى محدود، وهكذا كانت لكل دولة أوروبية أو منطقة موسيقاها التي تتعايش معها وبها، وعلى ذلك اصبح معروفا ان النزعة القومية هي النزعة الرومانسية نفسها مطبقة على مجال الدولة أو الوطن، وعلى ذلك فقد شهدت تلك الفترة ونعني القرن التاسع عشر عموما، والنصف الثاني منه على وجه الخصوص حركات قومية مهمة على الصعيد السياسي.
ورغم ذلك فإن تلك القومية في الموسيقى لم تكن مقصورة على حدود سياسية بعينها، ولكنها كتبت لكي يتعرف عليها الغير بكل سهولة، وقد امتزجت هذه الموسيقى بألحان شعبية اكسبتها قوة الخلود.
على ان الاتجاه القومي للموسيقى ظهر في أوروبا في تلك الفترة «النصف الثاني من القرن التاسع عشر»، في مختلف الدول بهدف التخلص من سيطرة الموسيقى الألمانية والأوبرا الايطالية التي كانت جاثمة على الموسيقى بحكم انتشارها الريادي ليس في أوروبا فحسب، بل في العالم، كذلك رغبة الدول الأوروبية في خلق قومية تنبع من الذات وتزدهر داخل البلد لتحسب لها لا على دولة خارجية.
ونتيجة لذلك بدأ نجم بعض المدارس في دول متعددة يضيء لكي يثبت للعالم بجدارة مكانته مع الدول الثلاث الكبار «ألمانيا، فرنسا، ايطاليا»، وعلى ذلك اتسعت هذه القومية لتشمل هذه المدارس التي تولد عنها عمالقة سواء في روسيا وتشيكوسلوفاكيا وبوهيميا ومورافيا في ذلك الوقت والمجر، ثم النرويج فإسبانيا وفنلندا والولايات المتحدة وانجلترا والسويد ورومانيا وغيرها، أي ان معظم دول أوروبا سارعت لكي تجد لها مكانا يجسد قوميتها من خلال الموسيقى.
اذن فإن ثمة توسعا هائلا قد حدث في الانتاج الموسيقي، خلق بالتالي قاعدة بشرية من المستمعين تتذوق ذلك الفن الرفيع، وهكذا خلقت الروح القومية التي تتوحد مع فنها الراقي، ونتيجة لذلك انتشرت الموسيقى بشكل كبير لكي تتخذ صفة العالمية، وفي الوقت نفسه يكون مضمونها قوميا، وقد ساعد ذلك المفهوم على تطور ذلك الفن، لأن الجماهير كانت تقابله بحماس شديد، أدى ذلك الى اجتذاب الكثير من الناس لكي يشاركوا في استمرارية وتطور الموسيقى التي تجسد لهم قوميتهم في اطار فني وسط التقدم الصناعي آنذاك.
وهنا نقدر ان نجزم بأهمية الموسيقى للطبيعة وللإنسان فهو غذاء الروح للطبيعة الكلية، فالموسيقى كانت ومازالت مرتبطة بالفنون الأخرى التي تتلون وتتغير معاييرها في كل حقبة زمنية وتتطور مع متغيرات كثيرة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لكي تواكب مسيرة الحياة وتضيء لها جوانبها المظلمة.