نرمين الحوطي
في سنة 1933 نشر رائد مسرحنا العربي توفيق الحكيم مسرحيته الشهيرة «أهل الكهف» المستوحاة من «القرآن الكريم» محاولا بها وضع اساس لمأساة مصرية متميزة، واوضح ذلك بقوله: اساس المأساة الاغريفية هو «القدر»، هو ذلك النضال الهائل بين الانسان والقدر، اما المأساة المصرية كما اتصورها فهي الزمن، اساسها ذلك النضال الهائل بين الانسان والزمن، فإن مسرحية «أهل الكهف» مشابهة تماما للقصة الحقيقية التي وردت في سورة «الكهف»، لقد هربوا من اضطهاد الامبراطور الروماني الوثني، واختبأوا في كهف مهجور خارج المدينة، حيث غلبهم النوم فلم يفيقوا إلا بعد اكثر من ثلاثة قرون تغيرت خلالها الدنيا غير الدنيا، والناس غير الناس، ومن ثم عجزوا عن التفاهم معهم، أو التأقلم مع الاوضاع الجديدة، فلم يعد امامهم سوى العودة الى كهفهم والاستسلام للنوم من جديد، ولكنه النوم الطويل هذه المرة، وقد حافظ توفيق الحكيم على هذا الاطار العام للقصة، وصور من خلاله عجز الانسان عن مسارعة الزمن، وانهزامه امام سطوته من خلال نسيج درامي شاعري، فاعتبرت المسرحية فتحا جديدا في ادبنا العربي في ذلك الوقت.
ويؤكد حديثنا هذا ما قاله طه حسين في مقال نشر في مايو 1933 معلقا على مسرحية «اهل الكهف»: اول قصة وضعت في الادب ويمكن ان تسمى قصة تمثيلية حقا، ويمكن ان يقال انها رفعت من شأن الادب العربي وأتاحت له ان يثبت للآداب الاجنبية الحديثة والقديمة، بل ويمكن ان يقال ان الذين يحبون الادب الخالص من النقاد الاجانب يستطيعون ان يقرأوها ان ترجمت لهم، فهي مزيج معتدل من الروح المصرية العذبة والروح الاوروبية القوية، قد خلق شخص قصة خلقا جديدا وادار بين شخصياتها من الحوار الفلسفي ما لم يكن يخطر لأحد منهم على بال، كما يحدد طه حسين ان موضوع المسرحية يلائم الحياة الانسانية العامة على اختلاف العصور والبيئات، ما الزمن؟ ما البعث؟ ما الصلة بين الانسان والزمن؟ ما الصلة بين الحي والاحياء؟ كيف يحيا الانسان؟ بالقلب ام بالعقل؟
لقد استوحى توفيق الحكيم مسرحيته من قصص القرآن الكريم وهذا مذهب غير مطروق في الادب العربي على خلاف الآداب والفنون الغربية التي استطاعت استغلال كتبها الدينية لتساهم في نشر الافكار والمبادئ التي سعت الى التبشير بها، اما بالنسبة لتوفيق الحكيم فلقد كان عليه عند محاولة الاستفادة من القصص الواردة في القرآن الكريم ان يتجه الى شخصيات مسرحية بعيدة عن اسرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعن بيت النبوة حتى لا يتعرض للحجب او المنع، لقد استطاع الحكيم بمسرحيته تلك (اهل الكهف) ان يدخل دائرة الوعي العام بأن يجعل من الآداب والادب الروائي المسرحي نوعا من فروع الادب العربي الرسمي، ويعبر توفيق الحكيم في مقدمة مسرحيته «الملك أوديب» سنة 1929 عن الدور الذي لعبته مسرحية «اهل الكهف» بالنسبة لأهل زمانها: «الذي استقر في ضمائر اهل الادب يوم اذن، ان شيئا ما، على اساس ما، قد وضع، ولم يشذ احد من الأدباء عن اعتبار هذا العمل لونا من الادب العربي مُثل او لم يمثَّل».