هي النرجسية أو النرجسي كما يطلق عليها الآن ممن يمتلكون حب الذات، أما في الماضي فما كانت إلا مجرد اساطير تتداول عبر التاريخ إلى أن أصبحت عقدة نفسية.
نركسوس هي زهرة النرجس التي وجدت في بلاد الإغريق منبتا لتكاثرها وأصبح عشاقها من الرجال أكثر من النساء الاغريق، تلك الزهرة كانت تسحر عاشقيها بطابعها الحزين وألوانها الهادئة الساحرة لأعينهم فذابت كلمات الشعراء بها، وأضاء العالم الكثير عليها، بدأت قصتها عندما حظيت باهتمام زراعتها وتكاثرها في أرض اليونان وترعرعت عبر أساطيرهم عندما حظيت بإعجابهم بما تمتلكه من هدوء وجمال غامض، تقديرا لعذوبتها ورونقها نسب أهل الإغريق منبتها ليس للأرض بل لحب كل من نهر كفيسوس وإحدى حوريات الجمال ليصبح أسطورة من أساطير الجمال أطلق عليه «نركسوس» الذي امتاز بالجمال والحسن منذ طفولته إلى أن كبر وأصبح عشقه لجماله وحسنه الذي تحدث الكثير عنه في أساطيرهم غرورا بذاته وهنا اتفقت عليه آلهة اليونان بأن يهلك وبدأت خططهم تحيك عليه وبعثوا له «إيكوا» وتعني الصدى ولبثت له في الغدير وهو في طريقه للصيد، سمع اسمه يتكرر فاتجه إلى الغدير وإذا به يجد من يشابه جماله وينادي عليه فأخذ الوقت منه الكثير وهو يسأله من أنت ولم يجد إلا تكرار ما يقوله وهنا ألقى بنفسه ليقضي على من يشابهه بجماله مع العلم أن من كان يراه هو صورة عاكسة له، فقضى على جماله بيده، وتنتهي أسطورته وتبقى زهرة النرجس تتداول عبر التاريخ ويتنغم بها الشعراء إلى أن انبثق عصر العلم وأخذ من الأسطورة الأولى أسسا علمية ونفسية مثلها كمثل أوديب وإلكترا وغيرها ويقوم بالتحليل والتفكيك على يد عالمنا «فرويد» وينتهي عصر الأساطير ويبدأ عصر العلم.
النرجسية أو العقدة النرجسية كما عرفها فرويد هي الشخص الذي يعجب بنفسه ويعتز بها لدرجة تنسيه إعجاب الآخرين به، وتنسيه أيضا حبه وإعجابه بالآخرين، والذي يؤدي في النهاية إلى ابتعاد الشخص سواء كان رجلا أو امرأة عن المجتمع الذي يعيش فيه ويكون نهايته حينئذ الموت أو الفناء، تلك هي النرجسية وتلك هي زهرة النرجس ومن يبحث في ذاته يجد أنه امتداد لأسطورة نركسوس ولكن تختلف سطورها وعمق كلماتها من شخص لآخر، ولكن في نهاية أساطيرنا نجد أن عبر الأزمنة لم يوجد من لم يعشق زهرة النرجس وتعذب بهدوئها وسكونها الحزين، كم منا أغلق على ذاته وتجمل بحسنه ولكن تختلف الأقلام والسطور والكلمات من حيث كيفية التعبير في حب الذات، القضية ليست في الأساطير ولا في عشقنا لنرجس بل كيفية السيطرة في ذاتنا على نركسوس، لا نختلف في أن الإنسان لابد أن يحب ذاته ولكن ذلك الحب لابد أن يكون تحت السيطرة لكي لا يتفشى ويصبح مرضا نفسيا يجعل ممن حولك ينفر منك ويجعلك تنفر ممن يجتمعون بك فخير الأمور أوسطها وخير الجمال أن تعشق كل زهور الكون، وتتثقف من أساطير تاريخك ولا تتبعهم لكي لا تهلك وتصبح نهايتك كنهاية نركسوس.
مسك الختام: يقول أبو نواس
لدى نرجس غض القطاف كأنه
إذا ما منحناه العيون عيون
مخالطة في شكلهن بصفرة
مكان سواد والبياض جفون
[email protected]