عندما كنت صغيرة كنت أسمع عن امرأة تدعى شهرزاد، كان الكل يتحدث عنها بانبهار والجميع يسحر بأحاديثها وقصصها التي أسرت رجلا جبارا يدعى شهريار بما كانت ترويه له من روايات وقصص من ضرب الخيال، وعندما كبرت تعرفت عليها وقرأت قصصها كلها فما وجدت إلا القصص الغريبة الكثيرة والمتعددة الألوان، فتارة تتحدث عن شعوب لا يعرفها التاريخ، وتارة أخرى تروي لنا عن مدن ودول لا تمت الى جغرافية العالم بصلة، حكايات وقصص كان يحيك عقدتها أبطال من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال وفي بعض الأحيان نجد أبطالها من الكائنات الغريبة وجميعهم كانوا من رسم الخيال، كانت شهرزاد تعتمد في بناء رواياتها وقصصها بأن تجعل الصراع قائما على المتعة واللذة والخوف والعقاب والأوهام لتشد انتباه شهريار لتجعله يعيش حالة يومية في تلك القصص وتجعله بطلها المحوري في كل قصة من قصصها ودافعها شد انتباهه وإثارته ليؤجل موعد مقتلها في كل ليلة لتكمل له القصة في اليوم الآخر.
تلك كانت شهرزاد الأمس، واليوم أصبح هناك الكثيرون ممن يلعبون دور شهرزاد في التأليف وشد الانتباه ليجعل من الآخر شهريار، وهنا قد يتساءل البعض ماذا أعني؟
اليوم أصبح البعض يلعب دور شهرزاد مع العلم بأن دور شهرزاد في حاضرنا لم يقتصر على المرأة فقط بل أصبح بعض الرجال يقومون به ايضا ليكون منفذا لهم في شد انتباه الآخرين من خلال توليف القصص والروايات الكاذبة فقط من أجل شد الانتباه، في الماضي كانت قصص ألف ليلة وليلة أبطالها من نسج الخيال واليوم من يقوم بعمل الشبكة الدرامية يجعل جميع أبطالها من الواقع، أما الصراع فنجد ان شهرزاد كانت تجعله ما بين الخلاص والبقاء، أما اليوم فأصبح الأغلبية يقيمون الصراع بين أبطال روايتهم من أجل جذب انتباه الغير، بالأمس كانت شهرزاد تحكي من أجل الحياة أما اليوم فأصبح من يفضل دور شهرزاد من أجل تسليط الضوء عليه وأن يبقى على الدوام هو مؤلف الخبر.
قد يندهش البعض من الربط بين الماضي والحاضر ولكن هذا ما أصبح عليه واقعنا، فكثير ممن يعيشون بيننا يقومون بسرد قصص أبطالها من مجتمعنا ولكن ما يسرد من شهرزاد الحاضر من قصص وروايات عليهم تكون كاذبة فقط ما يروى هو لملء المجالس والمجتمع بأكاذيب، ولكن للأسف أصبحت الأغلبية في مجتمعاتنا تثيرهم وتشبع رغباتهم تلك الأكاذيب والقصص والنتيجة ان أصبح الكل عاشقا لـ (شهرزاد).
٭ مسك الختام:
وجدت سكوتي متجرا فلزمته
إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجر
وتاجره يعلو على كل تاجر
الإمام الشافعي
[email protected]