د. نرمين يوسف الحوطي
«إذا كانت لديك عين لترى، فسوف ترى، ومن كان لديه أذن ليسمع، فسوف يسمع».
العرب رغم ما توصلوا إليه من تقدم في جميع الميادين العلمية والعملية ورغم ما تركوه من بصمات مضيئة ومسجلة في تاريخ الحضارات العالمية، إلا أنهم لايزالون يحملون في أنفسهم وعقولهم عقدة مسيطرة عليهم إلى الآن هي «عقدة الخواجة».
قبل أن نخوض في موضوعنا اليوم والخاص بالكويت نؤكد أن ما نعاني منه هنا يعاني منه غيرنا مع الفرق في الظروف سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، ولكن المشكلة واحدة «عقدة الخواجة»، وقبل هذا أو ذاك علينا أن نستعرض بعض الأمثلة لتكون شاهدا على ما نتناوله اليوم من قضية: بالأمس كنا نستقطب الأجانب لاستخراج البترول ومن ثم البعثات التعليمية وكثير من الميادين سواء كانت علمية أو تعليمية إلى أن قامت نهضة الكويت الحديثة وأصبح لدينا شبه اكتفاء ذاتي يجعلنا نستطيع أن نكمل مستقبلنا بأنفسنا، ولكن ما يحدث على الساحة العلمية والعملية في تلك الآونة عكس ما كنا نتصوره وهو تطبيق بعض النظريات والقوانين المستوردة غير المجدية على مجتمعنا الكويتي.
نعم، غير مجدية كيف؟ ولماذا؟ بالأمس انهار التعليم في الكويت بعدما كان منارة لدول الخليج بل وكان مهدا للكثير ممن يريد الدراسة والاعتلاء بالشهادات المتميزة، كما أنه أنتج لنا جيلا يفخر به كل كويتي من مثقفين أصبحت لهم بصمة في تاريخ الكويت والعربي أيضا، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن نعم، فبالأمس القريب أتى مسؤول وقام بهدم ما بناه أساتذة أفاضل من أسس علمية وعملية في التعليم الكويتي والسبب أنه يريد أن يطبق «التجربة اليابانية»، واليوم بعيدا عن التعليم يأتي مسؤول آخر في ميدان مختلف ويريد أن يطبق «الخبرة الألمانية» بخصوص قانون العمالة في الكويت، السؤال الذي يطرح نفسه لهذا المسؤول: هل بيئة الكويت ومجتمعها يماثل المجتمع الألماني؟ وهل نوعية الوافدين الذين يذهبون إلى ألمانيا تطابق نوعية من يأتي للكويت؟
عندما بدأت مقالتي بدأتها بعبارات لم أذكر من قالها وكنت أقصد هذا، ان هذه العبارات كان يستخدمها سيدنا عيسى عليه السلام عندما يجلس مع تلاميذه، وكان يعني من خلالها أو بمعنى أدق كان يريد أن يغرس في تلاميذه شيئا واحدا وهو التفكير المؤدي إلى المعرفة من خلال السمع والنظر، أما الآن فالبعض منا يسمع ويرى لكن للأسف لا يفكر، فقد ينفذ دون التفكير من أجل المعرفة بشيء على الأقل.
جميل جدا أن نتطلع إلى حضارات الغرب ولكن الأجمل أن نفكر فيها لكي نستطيع أن نأخذ منها ما يفيدنا ونبتعد عما يضرنا، ولكن البعض يقوم بتنفيذ كل ما يراه دون التفكير والسؤال لذاته وعقله: هل هذا يلائم المجتمع؟ هل هذه التجربة ستدفع بمسيرة التقدم والازدهار في دولتنا؟
ما نراه من بعض المسؤولين لا يتعدى الظهور الإعلامي لا شيء سواه، من خلال توقيع اتفاقيات مع الدول الصديقة، فقط لإرضاء الأنا بأنه فعل شيئا، زعما بأنه يدفع في بناء الوطن، لكن للأسف بعض هؤلاء المسؤولين يعلمون أن هذه القرارات ما هي إلا هدم في إستراتيجية الدولة.