د.نرمين يوسف الحوطي
هناك مثل مصري قديم يتداوله كبار السن عندما يعقبون على موقف يكون أساسه الحسد، حيث يقولون: «عضة أسد ولا نظرة حسد»، أي انهم يقبلون بعضة الأسد وكلنا نعلم أنها قاتلة، إلا أنهم يقبلون بذلك المصير مقابل ألا يصابوا بنظرة الحسد، وهذا لا يقتصر فقط على مصر بل إننا إذا ألقينا نظرة واسعة على العالم العربي سنجد أن الأغلبية يؤمنون بوجود الحسد ودائما يبحثون عما يحميهم ويقيهم من أعين الحاسدين ومنهم أنا، ولا أستحي من هذا رغم أنني أحمل درجة الدكتوراه، وقبل أن أخوض معكم فيما أصبو إليه من مقالتي سأذكر لكم مثالا بسيطا ليبرهن لكم إلى أين وصلت عقولنا، في يوم ما كان صديقي بو مرزوق «عفوا ترى كل أمثلتي على الرجال بحكم مجال عملي» مغادرا خارج البلاد وعندما أتى وقابلته في العمل قام بسرد ما حدث له من أهوال مؤسفة في سفرته، وإذ بي بعدما انتهى من حديثه منتظرا ردي الذي لم يعجبه حيث طلبت منه أن يرتدي شيئا من ثيابه بالمقلوب؟ وهنا وجدت نبرة صوته تغيرت كما لو أنه يريد أن يقول لي: هل جننتِ؟ وبطريقته المؤدبة كعادته استنكر حديثي لما أحمله من علم وثقافة، فقلت له رغم ما أحمله من علم إلا أنني أؤمن بالحسد والحاسدين، ولست أنا فقط بل يوجد الكثيرون ممن يحملون شهادات علمية ويمتلكون مناصب قيادية وتجدهم يخشون من الحسد، وإذ بأبو مرزوق يستغرب حديثي المعزز بأسماء معينة لها شأنها ومركزها ليس فقط في الكويت بل في الوطن العربي، وهنا تكون انتهت قصة أبو مرزوق وسفرته وعدم تصديقه لما قلته عن الحسد وأهواله.
اليوم أجزم من خلال ما سردته عن الحسد وما يفعله من أهوال في البشر بأن الكويت أصيبت بعين حاسدة جعلت الحسد يتغلغل في نفوس بعض من أهلها، قد يستغرب البعض من حديثي ولكن أطلب من كل من يقرأ مقالتي أن يأتي بورقة وقلم ويقوم بعمل مقارنة للكويت ما بين قبل التسعينيات وما بعدها سيجد فروقا شاسعة وظواهر جديدة لم نعهدها من قبل والأسباب لا نعلمها ولكن من خلال ما نقرأه ونشاهده في تلك الآونة نجد أن السبب الرئيسي هو الحسد، الأغلبية أصبحت تترصد للآخرين بما يفعلونه وما يمتلكونه، وما زاد عليهم من مراكز أو مال، حيث لا يجد الحاسدون غير كلمات تشوه بعض من وصلوا إلى العلا، ولا أعني بكلماتي أنه لا يوجد فساد، لكن «إذا خليت خربت»، وللأسف أصبح البعض ينظر بعين واحدة فقط وهي الحسد الذي قد يتسبب في الخراب والهلاك، ومنه أصبحنا مجتمعا يندب حظه، ويعشق الكسل والدجل، لا يريد العمل ولا التفكير في المستقبل، أصبحنا عيونا مترقبة للبعض الكل ينظر للآخر ونخشي المستقبل، الكل ينتظر موت الآخر.
وأذكر الكلمات التالية لعلها تبعد عنا نفوس الحاسدين وأعين الناظرين: «ليس خطأك أن تولد فقيرا، ولكن خطأك أن تموت فقيرا - بل غيتس».
كلمة وما تنرد: شكر لمنظمة الصحة العالمية على عدم تأييدها لتأجيل الدراسة في البلاد والدعوة إلى التوعية والترصد الوبائي لإنفلونزا الخنازير واتباع الإجراءات الصحية السليمة وترسيخ كل ما يلزم لمحاربة هذا الوباء.
[email protected]