«الماريونيت» هي عرائس خشبية تتحرك بواسطة خيوط مثبتة لها بداية ونهاية، بداية الخيط تكون مثبتة بأطراف العرائس الخشبية ونهايته تكون مثبتة بعصا خشبية بيد محرك الماريونيت (المايسترو) أو المؤدي والذي لا يقتصر دوره فقط على تحريك العرائس، بل هو محرك لأحداث المسرحية بأجمعها، فبجانب تحريكه للعرائس بحركات محكمة لأحداثها على خشبة المسرح فهو أيضا المتحدث بلسان كل شخصية من شخصيات الماريونيت، ومن هنا يحتم على المايسترو أو المؤدي أن يجيد حرفية فن الأصوات أيضا، ومنه نجد أن «الماريونيت» تعتمد اعتمادا كليا على شخصية المايسترو لأنه هو الوحيد الذي يمتلك زمام الأمور وهو المتحكم فيها من حيث الحركة والصوت، فهو من يجعلها تتحدث إذا أراد ويجعل الصمت بيتها إذا عشق صمتها، بل هو من يقوم على تحديد خطاها وتحديد مسارها إلى الأمام والخلف أو يجعلها ساكنة على مدار أحداث المسرحية، الكل ينتظر إشارة من أنامل المايسترو والجميع ينتظر انطلاق الصوت من الماريونيت.
هذا هو فن الماريونيت الذي كان في السابق يعد فنا ذا حالة متميزة وصعبة لمن يريد أن يؤديه ويبدع في بحور فنونه، فهو فن صعب وصعوبته ترجع لحتمية وجود حرفية فائقة وممتازة لتحريك الماريونيت وتقليد الشخصيات والتنقل ما بين كل شخصية وأخرى، كل هذا يتطلب وجود محترف وليس هواة للقيام بهذا الفن، أما اليوم فنجد أن فن الماريونيت الذي كان في السابق يقتصر تواجده فقط على شوارع وضواحي أوروبا، وكان يبهرنا عندما نشاهده هناك، أصبحنا اليوم نراه على مدار اليوم في مجتمعنا وبحرفية تفوق ما كنا نشاهده أو نسمع عنه في السابق.
نعم أصبح فن الماريونيت موجودا في مجتمعنا ولا نستطيع أن نقول إنه الآن أصبح ظاهرة، لأنه أصبح فنا يقدم يوميا من دون أن تذهب إليه وهذا هو الإنجاز والإعجاز في وقت واحد، أصبح مجتمعنا للأسف في القول كعرائس الماريونيت، حيث أصبح يصعب على البعض السيطرة على زمام الأمور، وكما يقول المثل «إذا خليت خربت» ولكن الأغلبية أصبحوا ينقسمون إلى شقين: الأول هو المؤدي أو كما قلنا في السابق المايسترو وهذه الشخصية أصبحت في مجتمعنا موجودة وما يميزها إما السلطة أو المال، وهذه الشخصية أقلية في مجتمعنا وقد نراها في الوزارات أو في الحياة اليومية. أما الشق الثاني والذي أصبح نمطا يسود نسبة كبيرة في مجتمعنا وهم «الماريونيت».
نعم هذا هو الحال في وقتنا الحالي، البعض ممن أشرنا إليهم في السابق وهم أقلية يحاولون الوصول بحرفية فائقة إلى شخصية المايسترو والسيطرة على أكبر عدد من الأفراد لكي يجعلوهم عرائس متحركة في أصابعهم، هذا البعض يجعلهم متى يريد أبواقا متحدثة، ويقوم بتحريكهم ويغير صوته بما يلائم أصوات شخوصهم للحديث بألسنتهم والعكس صحيح فهم يتحدثون بصوته ولسانه، واليوم سنضرب أمثلتنا من خلال الهيئات والوزارات الحكومية ويرجع هذا لأننا نشاهد هذا الفن بحرفية فائقة من تلك الشرائح، فنجد على سبيل المثال مسؤولا ما يقوم بالتدريب على كيفية تحريك موظفيه وفق خطة تخدم فقط مصلحته الشخصية دون التفكير في مصلحة الدولة والشعب وهذه الأنماط المركزية كثيرة وللأسف نعرف منها البعض، يقوم هذا المسؤول بتدريب موظفيه لخدمته عن طريق سرقة المال العام وبالفعل يقوم بالتحريك والنطق بما يريده، ولكن بعيدا عن التحليلات والانتقادات لبعض هؤلاء ممن نسميهم المايسترو، كيف سيكون الحال إذا اعتزل القائد منصبه؟ الحال سيكون كما هو عليه سيأتي مسؤول آخر ليقوم بتحريكهم لمصلحته الشخصية كما فعل من قبله وتستمر الماريونيت في الرقص والغناء والتطبيل لكل من يأتي، ولكن أين الانتماء الوطني؟ للأسف أصبح عملة نادرة في هذا الزمن والله من وراء القصد.
[email protected]