(الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ـ آل عمران: 134).
التسامح صفة من صفات الإسلام، وضبط النفس والتروي والحكمة صفات تساعد الإنسان على اتخاذ القرار الصائب، أما إذا تمكن الغضب من الفرد فقد لا يصيب في قراراته، لهذا حث الدين الإسلامي على التروي وضبط النفس وفضل العفو عن العقاب، حيث نجد أن من أهم صفات المسلم الإحسان، والإحسان لا يقتصر فقط على المال بل علي التفكير أيضا والتصرف الإنساني، ومن هذه الكلمات أستذكر قصة كانت ترويها لنا جدتي ونحن أطفال أحداث تلك القصة كانت تنصب على عدم التسرع، وتؤكد على ضبط النفس كي لا نلقي بمن نعزهم في التهلكة.
القصة عن مدينة كان ملكها في كل ليلة يخرج مع وزيره متنكرين ليطوفا في أرجاء المدينة ويقفا على أحوال الرعية، وفي طريقهما وجدا بيتا غريب الشكل، فوقف الملك أمام بابه وأخذ يقرع الباب، وإذا برجل عجوز يخرج لهما ويدعوهما لضيافتهما بعدما قالا له إنهما غريبين عن المدينة، وأكرم الرجل ضيفيه وقبل أن يغادرا البيت، قال له الملك: لقد وجدنا عندك الحكمة والكرم، فهل تكرمنا أيضا بنصائحك أيها الرجل العجوز؟ فقال العجوز: لا تأمن للملوك ولو توجوك. فأعطاه الملك وأجزل له العطاء ثم طلب منه نصيحة أخرى، فقال العجوز: لا تأمن للنساء ولو عبدوك. فأكرمه الملك ثانية على أن يعطي له نصيحة أخيرة قبل الرحيل، فضحك العجوز وقال: أهلك هم أهلك، ولو صرت على المهلك، فأكرمه الملك ثم خرج هو ووزيره بعد توديعهما للرجل العجوز، وفي الطريق للعودة إلى القصر أبدى الملك استياءه من كلام الرجل العجوز وأنكر كل تلك الحكم، وأخذ يسخر منها لوزيره إلى أن وصلا إلى القصر. وبعد أيام أراد الوزير أن يؤكد للملك صحة ما قاله الرجل العجوز، فنزل إلى حديقة القصر وقام بسرقة البلبل الذي كان الملك يحبه كثيرا، ثم أسرع الوزير بعد سرقته إلى زوجته يطلب منها أن تخبئه عندها ولا تخبر أحدا عنما فعله الوزير، وبعد عدة أيام طلب الوزير من زوجته أن تعطيه العقد الذي في عنقها كي يضيف إليه بعض الحبات الكبيرة من اللؤلؤ، ففرحت الزوجة بما يريد الوزير عمله وعلى الفور أعطته العقد، ومرت الأيام ولم يعد الوزير العقد لزوجته فسألته عنه، إلا أنه تشاغل عنها ولم يعطها إجابة صريحة، فثارت عليه واتهمته بأنه قدم العقد لامرأة أخرى، فلم يرد الوزير على اتهاماتها له، وهنا اتجهت زوجة الوزير مسرعة وهي غاضبة إلى الملك ومعها البلبل، وأخبرت الملك بكل ما فعله زوجها، فقام الملك دون تفكير ودون سماع دفاع الوزير وأمر بإعدامه. وفي اليوم المحدد لإعدام الوزير نصبت منصة الإعدام في وسط المدينة وأخذ الوزير إليها مكبلا بالأغلال أمام أهل المدينة وفي الطريق مر الوزير بمنزل أبيه وأخوته، فدهشوا لما رأوا، وأبدى والد الوزير أمام الملك استعداده لأن يفدي ابنه من حكم الإعدام، ولكن الملك أصر على تنفيذ الحكم، وعندما وصل الوزير إلى منصة الإعدام ووقف أهل المدينة أمامه وقبل أن يقوم الجلاد بتنفيذ الحكم طلب الوزير من الملك أن يؤذن له بكلمة يقولها له، فأذن الملك له، وهنا أخرج الوزير من جيبه عقد زوجته وقال للملك: ألا تتذكر قول الحكيم: لا تأمن للملوك ولو توجوك، ولا للنساء ولو عبدوك، وأهلك هم أهلك ولو صرت على المهلك. وهنا عفا الملك عن وزيره لأنه أدرك أن وزيره قام بذلك ليؤكد له صدق تلك الكلمات فعفا عنه وأعاده إلى مكانته.
كلمة وما تنرد:
سئل حكيم من القوي من الناس؟ فقال: من يستطع أن يكبت جماح نفسه.
[email protected]