نعم أصبحنا نعمل في توابيت إدارية، بالأمس القريب عندما كنا نسمع عن قضية اختلاس أو تسيب إداري كانت الدنيا تقف على أرجلها إلى أن يأخذ القانون حقه وينصف المظلوم، أما اليوم فمن كثرة الصراعات البرلمانية والتي لا صدى لها إلا عند متحدثيها، أصبحنا لا نهتم بما يحدث من فساد إداري قد نراه ونعلم عنه ولكن أصبح كل منا يعيش في تابوته الذي صمم له إلى حين التقاعد، المضحك من هذا أنه من الممكن بعد تصميمك لتابوتك الإداري أن تجد بتوقيع صغير أنك أجبرت على التقاعد، وهنا تقف مستغربا لأنك تعلم أن بعض من يهللون بأسمائنا في المجلس التشريعي ينادون بتمديد السن في العمل الإداري. المسألة ليست حسابية بل ذهنية لا أحد يقدر على تفكيكها وتحليلها إلا من يقومون على مدار اليوم بالصراع النيابي تلك الكلمات التي تحمل إشارات استفهامية كثيرة أقوم اليوم بتوجيهها وتخصيصها لكل من يصارع وينادي باسم الدستور وأخص المادة 8 والتي تنص على أن «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين». من هنا تبدأ حكايتي «التعاون، الأمن، الطمأنينة، تكافؤ الفرص في العمل» تلك هي محاور قصتي اليوم، بالأمس كان الصمت يتملكنا، إذا أتى من يجبرنا في عملنا على شيء غير قانوني فنصمت لعل الله يهدي هؤلاء وندعو الله بأن يتعاونوا معنا، بل نجد بعض الأسماء التي تهبط علينا من السماء وهم كثيرون وللأسف يجلسون على كراسي لم يحصلوا على المستوى التعليمي الذي يهيئهم لها، ولكن حرف (الواو) هو ما أعطاهم ذلك الحق والمنصب، والأغرب من هذا وذاك أن بعض من يمتلكون حرف (الواو) لا يأتون العمل من الأساس، ورغم هذا فإن تلك الأسماء هم من يترقون ويأخذون حقوقنا دون أي وجه حق، تلك هي الطمأنينة والأمن الذي ينادي به البعض وبالأمس كان الصمت هو حديثنا وكان الانتظار على ذلك الظلم هو أملنا، وكنا لا نمتلك إلا التوجه إلى الله بالدعاء ليبين الحقيقة.
ولكن اليوم أصبح الفساد يقتل نعم الفساد الذي يقهر الإنسان يؤدي به إلى الموت، هذا ما حدث بالأمس القريب، حيث كنت بالصدفة ذاهبة إلى إحدى الدوائر القانونية في الدولة وإذ بي أجد جميع موظفي مكاتب الدائرة رجالا ونساء منهمرين في البكاء، وعند السؤال وجدت أن زميلة لهم توفاها الله، ولكن لماذا هذا البكاء الشديد كما لو أنها قتلت أمامهم؟ فعلمت أنها بالفعل قتلت ولكن بأيدي من؟ ذلك هو السؤال؟
هي موظفة ذات مركز تدعى «م.س» قد يتذكر بعضنا قضيتها في حين لم يسمع البعض الآخر بها لخلوده في تابوته وعدم انشغاله إلا بنفسه، ولن أخوض في قضيتها لأن الكثيرين تكلموا عنها ثم تناسوها، ولكنني اليوم أبدأ قضيتها من المادة (34) من الدستور: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع. ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا»، ذلك هو القانون ولكن ما حدث لتلك السيدة عكس ذلك فلم يعط لها حق الدفاع، لأنها عندما اتهمت أصيبت بغيبوبة ولم يدافع عنها أحد من زملائها مع العلم بأنهم يعرفون حقيقة براءتها، وبالأمس فارقت تلك السيدة الدنيا وسلمت أمانتها إلى الله ـ عز وجل ـ فهو الأقوى والرحيم بها، اليوم أقول لزملائها لابد أن تحطموا توابيتكم بأيديكم وتقولوا كلمة الحق، يا من سلمتم بين أيديكم حقوق الإنسان، عفوا أيها الزملاء البكاء ليس حلا، بل قول الحق هو ما سيريح زميلتكم رحمها الله وينصف أبناءها الصغار، أنتم تعلمون خبايا أموركم، حطموا توابيتكم لأن ما حدث لزميلتكم بصمتكم قد يحدث غدا لكم، اجعلوها تغمض جفونها وهي آمنة، وأعطوا الزمالة والصداقة حقهما، وأنهي ندائي لكم بوصية رسولنا الكريم «الساكت عن الحق شيطان أخرس» فلا تكونوا في توابيتكم شياطين.
كلمة وما تنرد:
(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ـ الحج: 46).
[email protected]