أصبحت الثقافة سواء كانت عالمية أو عربية تقدم للمتذوق لها من خلال «دكاكين»!
دكاكين مفردها دكان وتعني في المعجم اللغوي الآتي: إذا قمنا بحذف (الألف) حروف الزيادة في اللغة العربية أصبحت الكلمة (دكن) وتلك الكلمة لها معنيان، الأول إذا نطقت بفتح الدال وكسر الكاف وتعني الشيء الذي يميل إلى السواد أو الثوب المتسخ لونه، أما إذا نطقناها بفتح الدال وتشديد الكاف مع فتحها فتعني هنا وضع الأشياء على بعضها بشكل منتظم، وإذا نطقنا الكلمة دون حذف أحرف الزيادة فإنها تعني متجر.
ومن تلك المعاني نجد ما نصبو إليه من الوضع الحالي لثقافتنا وفنوننا فالمعني الأول للكلمة هو الميل إلى السواد أو اتساخ الثوب، ينطبق على ما يقدم حاليا لمتذوق المعرفة بشتى فروعها الثقافية والفنية، أصبحت المادة المقدمة للمتلقي مائلة إلى السواد، وشبه بالية لأنني لا أستطيع أن أتفوه على الثقافة بكلمة الاتساخ، أصبحنا نسمع عن مهرجانات كثيرة ومسابقات عالمية أكثر وجوائز كبيرة ولكن السؤال هنا: ما الفن أو ما المادة الثقافية المقدمة للمتذوق؟ سنجد الحصيلة لا شيء، أصبح المتلقي يسكن في دكان يسكنه الظلام الدامس، يخرج من دكان الثقافة بصورة بالية مشوهة المعالم، الكل يريد أن يقدم ثقافة ولكن للأسف لا يعرف ماذا يقدم.
أما إذا تناولنا المعنى الآخر للكلمة وهو «دكّن» فسنجد أن ما ذكرناه من قبل يؤكده المعنى الآخر فرغم عدم وجود ماهية للثقافة أو هوية لها نجد أن الكثير من الدول لا تهتم بالمضمون بل يكون الاهتمام فقط بالشكل والتاريخ بمعنى أوضح أن كثيرا من الدول المتقدمة والمتحضرة عندما تضع خطتها الثقافية لا تبحث عن الإشكالية بل ينحصر اهتمامها في أن المهرجان أو المسابقة في تاريخها المعتاد عليه ولكن بلا جوهر، تلك هي المشكلة وهذا ما يؤكد لنا مدى تطابق معنى «دكن» مع ما نسلط عليه الضوء.
وأخيرا «متجر» وهي معنى آخر لكلمة «دكان» وهذا أصبح حال الثقافة والفنون حيث أصبحت تباع من خلال متجر، نعم أصبحنا نسمع ونقرأ عن أناس لا يمتون للثقافة والفنون بصلة لكنهم يقيمون مهرجانات ومسابقات دولية ومحلية فقط من أجل الدعاية والإعلام، أما ماذا يقدمون فلا يعني لهم ذلك أي شيء، شراء الثقافة من أجل الإضاءة والفلاشات الإعلامية وهؤلاء كثيرون في هذه الآونة، حيث يقوم بائع الدكان ببيع بضاعة رخيصة تشوه معنى الثقافة، فالبائع غالبا ما تجده من المتحذلقين على الثقافة والمثقفين.
كلمة وما تنرد: إلى كل من يدعي أنه مثقف، عليه أن يقوم بتثقيف ذاته قبل أن ينادي باسم الثقافة، والثقافة ليست قراءة واطلاعا فقط بل إنها تشمل الرقي بالنفس والذوق في التعامل، تلك هي أسس الثقافة وأعتقد أن كثيرا ممن يدعون أنهم مثقفون لا يمتلكون أسس الثقافة.
[email protected]