في أروقة قصر العدل كنت أقوم بتخليص بعض الأوراق الخاصة بي، وعند انتهائي من التصديقات والتوثيقات وتصوير بعض الأوراق المطلوبة وشراء الطوابع انتهى مشواري عند آخر محطة وهي التوكيلات، وبالفعل توجهت إليها لعمل توكيل للمحامي وأخذت رقما وجلست للانتظار فوجدت امرأة جالسة تنتظر دورها وعندما استأذنتها للجلوس بجوارها رفعت وجهها ونظرت إلي ونهضت لتسلم علي وبعد خلعها للنظارة السوداء التي كانت تخفي نصف وجها عرفت من هي، المهم بعد السلام والسؤال عن أحوال الأهل والأصدقاء سألتني عن سبب حضوري لقصر العدل، فأجبتها بأنني أقوم بعمل توكيل للمحامي لتخليص بعض أمور الإرث الخاصة بأسرتي، وعندما وجهت إليها نفس السؤال فوجئت بأن المرأة دخلت في نوبة بكاء شديد فقمت بتهدئتها، حتى توقفت عن البكاء وبعد هدوئها طلبت مني أن أطلع على ما تحمله من أوراق في يديها، وبالفعل استجبت لطلبها وتأكدت أن جميع ما تحمله المرأة من أوراق هي وثائق رسمية تحمل شعار الدولة وشعار الوزارة التي صدرت منها، وهنا تبدأ المشكلة ليست مشكلة المرأة ولا مشكلة الشعار بل ما تحمله تلك الأوراق من قضايا!
فتلك الأوراق ما هي إلا صحف دعاوى وأحكام كلها تحمل اسما لشخص واحد ونحن هنا لسنا بصدد ذكر أسماء ولكن ما فعله ذلك الفرد الذي يعيش بين مجتمعنا دون حسيب أو رادع، ذلك الشخص في منتصف الثلاثينيات من عمره قتل 3 أشخاص عمدا، كما ذكر في صحيفة الدعوى، كما قام بالاتجار في المخدرات وحيازتها وتعاطيها، المشكلة تكمن في الأحكام التي صدرت ضد ذلك الشخص فعندما قمت بقراءة الأحكام وجدت أن جميع قضايا القتل صدر بها الحكم الآتي «حفظ القضية لعدم أهمية الموضوع» أما في قضايا المخدرات فأخلي سبيله وتم تغريمه في كل قضية مخدرات 600 دينار وعلى الفور سألت المرأة عن علاقتها بهذا الشخص وكان الرد: أنه قاتل ولدي فعدت سريعا للسؤال بدون تردد وماذا كان الحكم عليه؟ فأجابتني بدموعها وصوتها الحزين «حفظت القضية لعدم أهمية الموضوع».
بعيدا عن تلك المرأة وقضيتها التي من الممكن أن يكون هناك من يشابهها في محنتها وشعورها بالظلم والقهر بفجيعة موت ابنها وعدم قدرتها على استرداد حقها ممن قتله، وبعيدا عن الحديث في القضاء لمعرفتي المؤكدة بنزاهة قضائنا، ولكن أقول نقطة نظام كيف يعيش بيننا فرد يحمل تلك القضايا دون محاسبة ولا يتم وضعه تحت الأنظار مهما كان يحمل من أسماء أو مناصب تحمي ذاته وتعطيه الحرية لإزهاق أرواح أولادنا سواء بالقتل أو بالسموم التي يجلبها إلى مجتمعنا؟ وهنا أسأل أين الجهاز الأمني؟ بل أين التحريات والطب الشرعي من ذلك الفرد الفاسد في المجتمع؟ اليوم تلك المرأة وابنها، وغدا لا نعلم أين تكون الجريمة، فمن الممكن أن نجد ذلك الفرد يتهجم على بيوتنا، وهنا لابد أن تكون هناك نقطة نظام في مثل تلك القضايا عندما ينظر إليها ولا تكون كافية الأدلة، فلابد أن تحال للمزيد من البحث والمطالبة بالدقة في التحريات لكي لا يطرق الخوف أبوابنا.
كلمة وما تنرد: يقول تعالى (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ـ المائدة 44).
[email protected]