[email protected]
سمّى البروفيسور شفيق الغبرا الربيع العربي: استقلالا ثانيا.
فبينما جاء الأول عن الاستعمار، أتى الثاني عن الأنظمة التسلطية «المحلية». هذا الاستقلال غطى بطريقة أو بأخرى معظم بلاد المغرب العربي.
وعلى تلك البلاد أسلط ضوءا بمنظور الآفاق والعوائق علنا نحدد معالم تكاملنا معها .. فهي تشدها من ناحية أواصر الجغرافيا مع القارة السمراء ومن ناحية أخرى وشائج القربى مع المحيط العربي والإسلامي.
في الحرب العالمية الثانية كانت تلك البلاد مهمة للقارة العجوز لكونها مجاورة لقناة السويس وما يمر عبرها من نفط وسواه من بضائع وموارد وإمدادات.
اليوم لم تقل أهميتها لذات القارة ولو اختلف السبب.
90% من المهاجرين و اللاجئين إلى أوروبا، الذين يضعونها أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وإنسانية تبدأ رحلتهم من الشواطئ الليبية.
كما أن أوروبا ترغب في رؤية جيران طرابلس يلعبون دورا أكبر في هذا الملف.
حيث إنها شجعت تونس على أن تكون بلدا ثالثا حاضنا لمن تصدهم السواحل الشمالية للمتوسط.
زد على ذلك أنه في فرنسا لوحدها حوالي 5 ملايين شخص من هاتيك البلاد و ملايين الأوروبيين الآخرين الذين تنحدر أصولهم من هنالك.
سيبقى الإقليمان متلازمين ما دامت المسافة بينهما 14 كيلومترا فقط لا غير!
لكن ماذا عنا نحن و ما نشترك به مع المغرب العربي من ماض وحاضر ومستقبل؟
هنالك عالم رحب من التفاعلات، وعلى مستويات شتى، أرحب من قشور نسمعها عن السياحة أو الفن! فتـلك المنطقـة، ذات الأكثـر مــن 90 مليون نسمة، حيوية تعج بالفرص لدراسة تركيبتها الأمنية وتحليل مكوناتها ولتمحيص كيف أن دولا انخرطت بذات العملية الثورية (أو كانت على شفاها) إلا أنها خرجت منها بنتائج متفاوتة أو متباينة.
هل نتابع مجريات و مسارات العدالة الانتقالية الحرجة في تونس؟ و حوارات الديمقراطية حول دور أفراد الأمن والشرطة في الانتخابات مثلا؟
هل نرصد خطط الجزائر التقشفية المرتبطة بانخفاض أسعار النفط ونحللها؟ هل نكترث بتوجه أكثر من 23 مليون من أبنائها لصناديق الاقتراع في مايو المقبل؟ هل نلحظ أن برلمانهم قد كان الأكبر تمثيلا للمرأة عددا ونسبة مقارنة بمحيطها؟
هل نراقب التحديات في ليبيا والعوامل المؤثرة فيها إقليمية كانت أو دولية؟ هل نبحث في الأسباب المحركة لتلك العوامل؟
هل تهمنا التفاعلات السياسية في المغرب وتطورات العلاقة بين «المقام العالي» ورئاسة الحكومة هناك؟ هل نحاول فهم طبيعة التعامل المغربي مع قضية حساسة مثل قضية الصحراء الغربية مثلا؟
إن تلك البلاد التي احتوت حضارات فينيقية و رومانية (الامبراطور سيبتيميوس سيفيرس ولد فيما تعد ليبيا اليوم) وجرمانية، و ثقافات مسيحية ويهودية، وأعراق بربرية وزنجية .. كانت أيضا مسرحا للفتوحات الإسلامية منذ القرن السابع ومحضن «رابعة الثلاثة»: القيروان ومهد المرابطين.
إن إعادة استكشاف أنظمتنا لتلك البلاد جاء بشكل شبه حصري من بوابة الاقتصاد في مختلف مراحل مد وجزر الاستقلال الثاني المستمرة هناك عن طريق تقديم المنح والمساعدات والودائع لأسباب متعددة، إلا أن أمام الشعوب والتيارات ومؤسسات المجتمع المدني أيضا دروس لاستخلاص معانيها حول الحراك الشعبي الجماهيري، التطور الديمقراطي، التعامل مع المؤسسة العسكرية، فهم موازين القوى، التعامل مع غرماء و خصوم السياسة، التوعية والتثقيف والتوجيه.. وغير ذلك.
كلمات أُخَر: يقال إنه في العام 3500 قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام حدث ميلان في مدار الأرض نتجت عنه موجة تصحر سريعة شكلت الصحراء الكبرى التي أصبحت فاصلا طبيعيا بين هذه الدول و باقي أفريقيا .. فما بالنا نحن نصطنع فواصل وقواطع لا أصل لها؟!