أجمل الأطعمة والفواكه التي يغزوها العفن تتحول من تلقاء نفسها لسم قاتل، يتلف الأبدان ويعطل الأدمغة، وبعدها نصلي على آكلها صلاة لا نراه بعدها، فالعفن هو العفن وإن كان من بعضه فوائد، إلا أن العفن السياسي أو الديموقراطي يشك ان كان هناك محل للشك أن من ورائه فائدة ترجى، فهل سنأكل العفن؟!
إن مشكلة الديموقراطية الجميلة عندنا أنها ديموقراطية غير محصنة، بل هي مشرعة الأبواب لكل «من هب ودب»، فأصبحت عرضة للمتسلقين وسراق الأضواء، فكل من ليس له فن ولا لون، تفنن وتلون بالسياسة وتشدق بالديموقراطية، تحت غطاءات ومجاميع شعبوية، فتبرز الأفكار اللاعقلانية والاقتراحات العفنة التي تسم البدن وتزيد الجوع والجنان، وكل ذلك تحت ستار الديموقراطية وحرية الرأي!
إن حرية الرأي تقف عند أمن البلد والنصوص الدستورية وتخضع أمام حكم الأمة في بيت الأمة، فليس كل قانون أو حكم للأغلبية لا أتوافق معه مبررا للخروج عليه، وإلا فكيف تكون الديموقراطية؟ وكيف أفسر احترامي للدستور؟ إن الأغلبية النيابية هي الرابحة ـ وإن كنت أنا شخصيا أختلف مع الكثير منهم ـ ولكن هذه هي ضريبة الديموقراطية، فليس عدوى التأثر بالدول الأخرى وتعاطي الشعارات مبررا لضرب رأي الأغلبية وتسفيهه، بل يجب علينا احترامه، وإيصال آرائنا المخالفة وفق الأسس الدستورية، هذا إذا أردنا الديموقراطية.
قد تكون آراؤنا صائبة ورأي الآخر خاطئا وقد يكون العكس، لكننا اليوم نعيش ظاهرة جديدة وهي الرأي الأوحد، فأنا رأيي صواب والآخر بما لا يحتمل الشك خطأ، والغريب أنهم يتحدثون في الديموقراطية!
وإن زدت في الاختلاف تتحول المسألة لكفر في الخصومة، فتأتيك الألفاظ والمسميات من كل جانب حتى لتجد نفسك اليوم بطلا وغدا عميلا، فإن اتفقت مع الحكومة فأنت وإن اختلف فأنت معارض، أما أهل الشعارات والتلونات فإن اختلفوا أو اتفقوا في قواصم الظهر فإن لذلك تبريرا، وهنا تبرز أكبر علامات الاستفهام، فهل نحن في ديموقراطية أم أننا في عفنها؟
إن أولى خطوات الإصلاح الديموقراطي أن يصالح المواطن نفسه بنفسه، وينظر بعين الرقيب على ديموقراطية بلده، فهو المنوط بحمايتها من شر المتسلقين والمتلونين، فالمواطن هو نفسه من يحدد ويرسم مشهده السياسي، فليس من المنطق أن تكون اختياراتنا الأولى إما على اساس الطائفية واما على روابط الدم، ثم يأتي بعدها إنجاز المعاملات لتصدم بأن المستوى العلمي والطرح السياسي يرميان من شباك اللجان، فإذا كان على هذا اختيارنا فلا نتكلم في الديموقراطية ولا نفتح لها بابا فنحن من شوهها وما أزمتنا إلا نتاجنا!
أما ثانية الخطوات فهي محاسبة النواب فإذا كان لنواب حق في محاسبة الحكومة ومراقبتها، فلزاما وحق علينا تنويرهم ومراقبتهم ومحاسبتهم، وإلا لاختلت الديموقراطية، ووقعنا في سراب الشعارات الثورية وونات التباكي على الديموقراطية.
إن مشهدنا السياسي اليوم لا يمكن أن يترك لعدوى التأثر والمزايدات، بل يجب تحكيم العقل وتغليب المصلحة العامة، وتفويت الفرصة على المتربصين، فاليوم تحكيم العقل والعاقل بفكره لا يظل، فأين العقول؟
[email protected]