عندما سمعت مقولة القائد الفاتح والجريء، وفي الأخير ملك ملوك أفريقيا المعظم، يقول لشعبه الثائر «من أنتم وماذا تريدون؟» ضحكت وكبرت من الفرح أن هناك حاكما عربيا واحدا ـ بعد الشكر لله- يوجه سؤالا لشعبه وإن فضح غباءه! فحتى وإن أجاب بدلا عنهم ـ كما العادة ـ فتكفيه سابقة السؤال لأننا دائما ما تأتينا الإجابة التعريفية دون سؤال فالسلطة تعرف كل شيء عن الشعب دون توجيه أي سؤال!
فالحكومات العربية في السابق والحاضر تصف مخالفيها بعد أن تطرح على نفسها سؤالها سرا من هؤلاء؟ فتجيب بصوتها المرتفع إنهم أعداء النظام، وأحيانا بالمخربين، وإذا أرادت إقصاءك من الحياة بسرعة، فيكفيها اتهامك بالعمالة، أو الخيانه أو جعلك فردا من القاعدة والإرهابيين فتنتهي المسألة دون طرح السؤال عليك ودون «دوشت الكلام».
فالقذافي وبسبب خبرات السنين يكون أول حاكم عربي يطرح السؤال لمخالفيه، فكم ستحتاج حكوماتنا من السنين حتى تتعلم وتسأل شعوبها المقهورة ماذا أنتم تريدون؟ وكيف تودون؟
لقد تبين من خلال موجة الغضب العربي أن الخطأ هو الخطأ لم يتغير ولم تستفد بعض البلدان من مصائب غيرها، فبداية الخطأ تحقير الحكومات للمتظاهرين والخارجين، والسخرية من عددهم دون النظر أولا لمطالبهم، فإذا زاد العدد، وجاء المدد، تجلس فتتهمهم بالتغرير، وإذا صاحوا وهتفوا، قيل: هذه آثار حبوب الهلوسة وبعدها تصاب الحكومات هي بالهلوسة في طريقة تعامل مع الحدث، فتعتدي على المدنيين، وتقتل المتظاهرين، لتتحول الاعتصام السلمية الإصلاحية لغرغرينة تنهش في أعضاء النظام، وتهد أركانه.
فلو تتبعنا الأحداث لعلمنا أنها هذه الخطوات والبدايات متطابقة في البلدين اللذين حدثا فيهما ثورات، وإن تفاوتت المراحل بين دولة وأخرى، فالشعوب العربية الصابرة ملت من نظرية أن رجل الدولة في كفة والشعب كله في كفة أخرى، فمن الطبيعي إذا كانت هذه نظرياتهم، سيخرج لنا من يقول من أنتم وكم عددكم؟ لكن الإجابة ستكون: نحن الشعب الذي كنت تحكمه فمن كنت تظن أنك تحكم؟
إن التصريحات التي تخرج من غير الحكماء تجر بلدان المنطقة لفوضى مسببة نتيجة للجهل الإداري والعنجهية المصطنعة من الحكومات فمقلب أنا الحاكم بأمر الله انتهى، وخدعة «إنني أرى ما لا ترون» كشفت، فالحاكم أو الحكومات إن لم تع مطالب شعوبها ورغباتها فستدمر نفسها بنفسها وتزيل ملكها بيدها، فالأجيال تتغير والمسائل تتطور، وما كان بالأمس مطلب سيتحول لمطالب، وما كان إصلاحا قد يصبح إقصاء، فالاحترام إن بقي فإنه لن يدوم فعالجوا مسائلكم بعقل وروية، واتركوا عنكم العنجهية، فالعقل فرصة والفرص لا يضيعها عاقل، فهل ستدكرون؟
***
نص سالفة: في وسط قاهرة المعز تتجدد الاحداث وترى الماضي الجميل والمستقبل المشرق، وأنت تشرب فنجان القهوة في كافيه «ريش» الذي يزينه وجود الاستاذ مجدي ملاك، وكنوزه النادرة الجميلة التي تتحدث عن ماضي مصر وحاضرها وحكايات ثوراتها التي تعطر المكان، ورغم أن المسمى «كافيه» إلا أنه في الحقيقة صالون أدبي ومتحف لصور ليس لمثلها مثيل، والأهم من هذا كله أنه كان مكانا لثوار 25 يناير، فهناك تستمع للأحداث والتحليلات وكأنك كنت تعيش بالفعل في الثورة، فإذا كان لمصر ثلاثة أهرامات فكافيه «ريش» هو رابعها بحق، وجوهرتها الجميلة.
[email protected]