لا أعجب من المعارضين للثورات حينما يكونون من ذوي الفكر المتوسط، ولكني أعجب من المثقفين حين يسردون الفوضوية والاختلال الأمني كنتاج رسمي مصاحب لما بعد موجة الغضب والثورات وضربهم للمثال المصري كنموذج حي لهذه الفرضية فمثل هؤلاء يعيشون في واقع «ركودي» وخيال فكري مترف، فارضين لو أن الرئيس السابق جلس أمد الدهر يحكم ويورث، حتى تنعم مصر وشعبها بالأمن والامان بدل هذه الحالة فنسي هؤلاء البشر أن الكرامة الانسانية والحرية أغلى القيم عند الإنسان فلا عزاء لمن أرخص بها.
إن الثورة المصرية أو التجديد المصري العام في الدولة أدهش العالم كله وصفع دكتاتوريات المنطقة، مما اضطرهم للتخبط ودعم بعض عناصر النظام السابق حتى يعودوا للحياة. فما نشهده اليوم من فوضى مختلقة هي بسبب تلك التدخلات، وبسبب حلاوة الروح من جراء صراع البقاء كما يصح أن يقال في حال النظام السابق، ولكن هيهات أن تعود العجوز للشباب حتى إن وقفت على رأسها و«تشقلت» في حركات لا تليق بعمرها وقدرها فمثل تلك الحركات معروفة وغير مجهولة المصدر دافعها الاول هو العقدة الأبدية من الثورات المصرية، كونها بوصلة الشعوب العربية، فالتاريخ يشهد بذلك، وثانيها هو الخوف من التغير الإقليمي وعودة الكرامة العربية وانتهاج الديموقراطية الحقيقية، فكل هذه العوامل جعلت دولا كثيرة تبث بعراقيلها وعقدها داخل مصر، وهذه هي ملامح ما تسمى بالثورة المضادة.
إن الثورة المصرية المجيدة ستعالج نفسها بنفسها، وهي حقيقة قطعية، وإن كان هناك من لا يريد لها أن تتعالج، فهذه الثورة لو قارناها بأحداث الدول المتقدمة كسقوط سد برلين وما أعقبه، وانقطاع الكهرباء عن نيويورك لمدة «6» ساعات وما شهدته من فوضى واختلال أمني فستكون ثورة شباب مصر هي أحضر وأرقى ثورة شهدها القرن الواحد والعشرون، لكن الإعلام العربي لا يريد إظهار هذا الجانب بل سعى لإظهار الجانب السيئ حتى تنكتم الأصوات، فتكون الصورة المغلوطة، بمقابل الفتات المرمي على الشعوب المغلوبة، فيعد هذا الفتات بمثابة النصر المبين من قبل المحرومين، ولكن ماذا لو وعت الشعوب وصحت، هل ستكون جملة «الآن فهمتكم» هي بوابة الخلاص، أم ستنتهجون سياسة «من أنتم» ثم الرصاص؟ أتصور الثانية!
خلاصة القول مفاده أن الثورة الشبابية في مصر حققت إنجازا غاب عن دنيا الواقع لسنين طويلة وهي عودة الكرامة المصرية، وتحقيق مبدأ المحاسبة الفعلية، فهي تسير نحو أعلى سقوف الديموقراطية رغم التدخلات المغولية، لكن 30 سنة من الفساد لابد له من ألم العلاج، فهي في فترة مخاض، وستعود لنا مصر.
٭ نص سالفة: على الدول العربية أن تعدل أوضاعها الداخلية لتتماشى مع وضع شعوبها، فالنظام العشائري ذهب دون رجعة ولا عودة، فيجب على الحكومات أن ترصد التغيرات الفكرية والسياسية لدى الشباب، فهم الجيل القادم وهم قادة التغيير، فالبعد عن هذا الرصد هو قمة الغباء السياسي الذي سيؤدي لسقوط مؤكد للأنظمة، وبعدها لن تنفع كلمة «العقل وعيب»، بل سيكون بعدها «الطائرة تقلع بالرئيس»!
[email protected]