من كان يظن يوما أن الاحتلال الأوروبي سيزاح عن صدور العرب؟ ومن حسب يوما أن الشعوب العربية ستتخلص من أنظمة الاستبداد فترسم طريقها؟ ومن تخيل لحظة أن ينتقد المواطن العربي حكومته في سره ولا يعتقل؟ لو حسبناها كعملية رياضية بسيطة لخرج لنا ناتجها يقول نجحت الثورات العربية وتحقق الهدف.
فمنذ ظهور الرئيس جمال عبدالناصر وإلى يومنا هذا والبعض ينتقده وينتقد تصرفاته وقوميته، وكأنه عمل جريمة في الأمة العربية وليس العكس، فالبعض يقرأ التاريخ قراءة اسقاطية فيفسره ويفهمه بمزاجه الحاضر، دون الوعي المدرك أن لذلك الزمان أحكاما وأحداثا، فنسي هؤلاء النفر أن المستعمر- والصحيح المستخرب ـ يجثم على صدور العرب ويستغل ثرواتهم ومقدراتهم لصالحه، محولا حكامهم أدوات بيده وسياطا على شعبه، فزادوهم وبالا فوق وبالهم، فجاء يومها عبدالناصر العربي ثم المصري فحررهم من هذا الوبال، وأعاد لهم عزتهم بعد أن نسوا حروفها، كما نسوا شعورها، فغامر من أجل العرب يوم ظن القوم أنهم ليسوا عربا فدبت بهم الحياة ونفضوا عن أنفسهم تراب المبيت، فرسمت الشعوب بفضله طريقها مرددة شعار أهل الشام «الموت ولا المذلة» فهل تستقيم الحياة وعيش الذلة؟
لقد مرت على الأمة العربية سنون كساف وعجاف لم يشهد لها التاريخ فأصبح الانهزام ينخر العقل العربي ويستقر بوجدانه فاستبدلت الشعوب التوكل بالتواكل، والتقدم بالتخدم، وجلسوا على القبور كأنهم ساكنوها حتى أصبحوا مواطنيها، فأنكروا وشككوا بكل نبضة عرق أنها حية، حتى تحولوا لأموات بجسد أحياء شعارهم «الذلة ولا الموت مادام في بيتي قوت» لكن اليوم الأمة تغيرت فخرج جيل لم يفهم أن التاريخ سيعيد نفسه، فمن أخرج سابقا عبدالناصر هو ذاته اليوم الذي أخرج الشباب العربي، ومن جعل عبدالناصر وصحبه يثورون هو ذاته الذي جعل الشباب للأنظمة يقلبون، لكن الفرق اليوم أن الشباب استفاد من أخطاء عبدالناصر ليتجاوزها وهذه الاستفادة ما كانت لتكون لولا تلك الثورة، والحنين لعزتها والتوق لكرامتها.
إن الأمة العربية أمة ثورية ذات كرامة وعزة، لا تقبل الاستغلال والذل والمهانة، ولا تطيق أن تكون أعداد أغنام في حظيرة الاستبداد، فهذه الكرامة والعزة التي راهن البعض على إخمادها واللعب بها انتفضت حية أمام تلك القصور كما انتفضت ثورة 52 لتغير مجرى التاريخ، فالحكومات العربية اليوم إن لم تراجع نفسها وتجدد بطانتها وتطبق القانون على نفسها قبل غيرها، فستكتشف بذاتها أن الشعوب لا تحمل الكرت الأصفر بل الأحمر فتنتهي المسألة.
٭ نص سالفة: ليس غريبا في البلاد العربية انتشار المعتقلات الأمنية، وانتهاجهم لنهج التصفية الجسدية، فهذه سمة عبر التاريخ اشتهرنا بها كعلامة جودة لدى الحكومات العربية، لكن الغريب أن يموت رئيس دولة وليس في حسابة الملايين والقناطير فلم يشهد التاريخ العربي بذلك إلا للزعيم الراحل جمال عبدالناصر وامتنع أن يشهد لغيره، ولم يشهد العالم الحاضر لثورات سلمية تطالب بالكرامة والعدالة، سلاحهم صدور عارية، إلا في الثورات العربية الحالية فثورات اليوم تبين نجاحها رغم التدخلات العربية والخارجية التي تحاول اجهاضها، فاليوم المولود ولد وأخشى أن يعلق في نفسه أحداثها، فدعوهم إنهم شعوب أرادوا الحياة.
[email protected]
twitter@oaltahous