لطالما حلمت في طفولتي أن أجد مصباح علاء الدين أو خاتم سليمان وبمسحات خفيفة ومتكررة على أي منهما، يظهر العفريت ليقول كلماته الشهيرة «شبيك.. لبيك.. عبدك وبين إيديك» منتظرا طلباتي ليحققها في الحال، الغريب أن هذا الحلم استمر معي من الطفولة للمراهقة ومنها للنضج والرجولة، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف أحلام كل مرحلة ومتطلباتها، ففي الطفولة كانت الأحلام لا تتجاوز الذهاب في التو والحال لمدينة الملاهي أو حديقة الحيوان، بينما كانت أحلام المراهقة أن تقع سعاد حسني أو نادية لطفي أو مريم فخر الدين وغيرهن من جميلات الشاشة في غرامي لدرجة تجعلني أملّ من ملاحقتهن لي وإلحاحهن في طلب لقائي فأضطر للاستعانة بالعفريت مرة أخرى ليخلصني منهن! ولكن أحلام لقاء العفريت أخذت منحى آخر وأشكالا سياسية، واقتصادية واجتماعية متنوعة في مرحلة النضج والرجولة.
كنت من القلائل المحظوظين الذين قابلوا عفريتا اعتباريا في أحلام يقظتهم دون الحاجة لمصباح علاء الدين أو خاتم سليمان، ولكن الغريب أن هذا العفريت الاعتباري لم يعطني فرصة لأطلب أو أسأل، ولكنه أجاب على العديد من التساؤلات التي تدور بخاطري وتؤرق تفكيري، فقد قال لي العفريت: للحلم حدود مشروعة قد تتجاوزها الرغبات المكبوتة بالتصريح أو التلميح، والعفريت وإن خرجت قدراته عن المألوف وخرق بعضها النواميس المتعارف عليها في عالم الإنسان إلا أنها في الواقع محدودة خصوصا في ظل عدد من الرغبات البشرية التي تعجز عن تحقيقها جموع الجن وإن اجتمعت.
وأضاف العفريت: يحلم بعضكم بأن تؤيد المعارضة الحكومة في مواقف كثيرة وتختلف معها في مواقف أكثر في ظل أرضية مشتركة تتمثل في حب الوطن، الحرص على الصالح العام ومحاربة الفساد وأن يستمعا لبعضهما البعض دون تشكيك في الذمم والطعن في النوايا.
ومنكم من يحلم بحياة ديموقراطية شفافة يكون الصندوق الانتخابي فيها الوسيلة الوحيدة للوصول إلى البرلمان أو المناصب القيادية. ومنكم من يتمنى أن تتجاوز التنمية العبارات الإنشائية والأفكار المنمقة إلى واقع يشعر به المواطن وحياة طبيعية يتناسب فيها دخل الفرد مع نفقاته ومياه نظيفة بلا جراثيم، وكهرباء لا تنقطع مرات ومرات على مدار اليوم الواحد.
وأكمل: يحلم آخرون بأن يروا الفاسدين ولصوص المال العام خلف القضبان في محاكمة عادلة تردع كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الشعوب، ويأمل آخرون أن تختفي أمراضنا الاجتماعية من واسطة ورشوة وتنفيع وأن يتم اختيار القياديين وفق معايير الكفاءة والنزاهة وليس لعلاقة بفلان أو نسب لعلان، إلا أن الطريف أن البعض يتمنى فوز أحد المنتخبات العربية بكأس العالم فهل يعقل أن يجرؤ عفريت مهما كانت قدرته على تحقيق مثل هذه الطلبات التي لا تعكس قراءة مستنيرة للواقع.
يا سادة تغيير الواقع يحتاج لجهود، كفاح، ثقافة ورغبة في التطوير وليس لعفريت يخرج من مصباح أو خاتم.
[email protected]