لطالما انتقدت الشعارات التي رفعتها تيارات الإسلام السياسي إبان الثورة المصرية وقبيل تنحي الرئيس المخلوع والتي كانت على شاكلة «الحفاظ على مدنية الدولة وتفعيل دور المؤسسات ـ توسيع المشاركة الديموقراطية ـ صيانة الدستور والحريات» ليس تجنيا عليهم ولكن من منطلق وعي تام وثقة كاملة في أنهم رفعوا شعارات يجهلون معانيها ولا يؤمنون بمضامينها لا شكلا ولا موضوعا ولكنها كانت النغمة السائدة والسلعة الرائجة التي قدموا بها أنفسهم للناس آنذاك.
وللأمانة استطاعوا اقناع الكثير من التيارات التنويرية المدنية والثورية لبعض الوقت، ولكن حينما دانت لهم الأمور وجمعوا كل خيوط اللعبة في أيديهم ظهروا بوجههم الحقيقي وبلا رتوش، واشرب يا شعب و«زغرطي يا انشراح عالوطن اللي راح».
بدأت حرب تضييع الأولويات منذ اليوم الأول من عمر البرلمان المنحل فلم ينتبه نواب «كي جي ون» لترتيب أولويات الأمة فتجاهلوا إقرار قانون العزل السياسي وإعادة هيكلة جهاز الشرطة وتطهير المؤسسات من فلول النظام السابق ووضع قوانين تضمن توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن نظرا لانشغالهم بأولويات أهم وأعظم مثل مشروع ختان الإناث وإلغاء قانون التحرش الجنسي ونكاح الوداع.
الحقيقة أن من رفعوا شعار مدنية الدولة للوصول للبرلمان أو الحكومة ومؤخرا الرئاسة هم من يسعون بمخطط منظم لأخونة الدولة وصبغها بلون واحد متشدد، ومن رفعوا شعار عودة دولة المؤسسات هم من بدأوا حرب تفتيتها وتكسير عظامها الواحدة تلو الأخرى، ومن طالبوا بصيانة الدستور والحريات هم من داسوا في بطن الدستور بجمعية تأسيسية تمثلهم ولا تمثل أطياف الشعب المصري، ومن تغنوا بالقضاء وعدالة القضاة بعد الانتخابات هم من يمارسون حملة تشويه شرسة ضدهم بسبب حكم هو عنوان الحقيقة ببطلان مجلس شعب غير دستوري وفاقد للشرعية، ومن نادوا بالحريات هم من أسسوا جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تتخذ من القتل وسيلة إرشادية لتقويم السلوك.
حسنا فعل د.مرسي بتراجعه واحترامه لمؤسسة القضاء لعدم ترسيخ ازدرائها في نفوس العامة، إلا أن التاريخ لن ينسى له أنه الرئيس المصري الوحيد الذي تجاهل عمدا أو سهوا نظرا لنصيحة بطانة غير أمينة أن المحكمة الدستورية العليا هي أعلى درجات التقاضي وأن أحكامها ملزمة للجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية، وتأكيده على احترام القضاء خطوة جيدة إن كانت صادقة، وعلى د.مرسي أن يعلم أنه رئيس مصر وليس ممثل الجماعة في مؤسسة الرئاسة ولعل هذا الخطأ، الذي أعتبره من وجهة نظري خطيئة، يكون بداية جديدة مع كافة التيارات السياسية ويحدد أولويات المرحلة وبأساليب غير صدامية تحكم فيها لغة العقل.
خلاصة الكلام:
قال أبراهام لينكولن: قد تخدع كل الناس بعض الوقت، ويمكنك حتى أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
وقال أدلاي ستيفنسون: تقدمت لخصومي بصفقة: إذا توقفوا عن قول أكاذيب علينا، فسأتوقف عن قول الحقيقة عنهم.
[email protected]
osamadeyab@