العلمانية، الليبرالية، الحداثة ومدنية الدولة مصطلحات ملتبسة لطالما أحدثت لغطا في عقول العامة لغياب التعريف الواضح والتفسير المنصف لها، ناهيك عن استخدام بعض التيارات لها كمصطلحات تكفيرية تزدري الأديان وتحاربها وتخرج صاحبها من الملة، لذلك نادرا ما يستخدم أي من هذه المصطلحات دون أن يتبعها عبارة والعياذ بالله أو استغفر الله، فالعلماني كافر والليبرالي مرتد متفسخ.
الحقيقة أن التطور الطبيعي للحياة البشرية على الأرض من العائلة والعشيرة إلى مفهوم الدولة استحدث آليات وقوانين تنظم العلاقات بين الأفراد بصورة تصون مبادئ المساواة وترعى الحقوق، وتجرم كل أشكال التمييز بينهم بما يكفل بيئة ملائمة للتعايش المثمر، فلم تكن العلمانية ولا الليبرالية ولا الحداثة ولا مدنية الدولة تعني يوما اللا دينية أو الدعوة للتفسخ ولا الانحلال، لكنها حلقة من حلقات التطور الطبيعي لمفهوم الدولة المنشودة والتي تتخذ من القيم الدينية والأخلاقية منصة للانطلاق نحو الشكل المأمول والصيغة المرجوة من المواطنة والحكم والسيادة والتي تعتبر أهم ركائز بنائها.
فالدولة المدنية هي الدولة التي توفر الرعاية والحماية لكل أعضاء المجتمع بغض النظر عن نوازعهم الفئوية من دين أو مذهب وقومية وفكر، وتعزز وترسخ المواطنة كركن من أركان الدولة المدنية، فالفرد لا يعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بعشيرته أو بجاهه أو بماله أو بسلطته، وإنما يعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا على أنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات، فكلمة مواطن أعم وأشمل من كلمة مسلم أو مسيحي، سني أو شيعي، ليبرالي أو علماني، يساري أو شيوعي، إلا أن ترسيخ مبادئ المواطنة يحتاج لتشريعات مساندة ومظلة دستورية تسع الجميع ويقفون أمامها على مسافة واحدة، فلا ينتهك فرد أو مؤسسة فيها حقوق فرد أو مؤسسة أخرى فثمة سلطة عليا يحتمي بها الجميع في حال حدوث انتهاك أو تهديد بالانتهاك ألا وهي سلطة الدولة. ورحم الله خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أسس أول دولة مدنية عرفها التاريخ الإسلامي، استحدث فيها نظما إدارية واشكالا للحكم لم تعرفها الجزيرة العربية، فأنشأ دواوين الدولة وصك العملة كنتيجة مباشرة لانفتاحه واحتكاكه بالحضارات المحيطة في إطار الحفاظ على الهوية وما أبلغ عبارته الشهيرة «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله».
أما الليبرالية اصطلاحا فتعني الحرية مع الوضع في الاعتبار أنها مذهب فكري وسياسي واقتصادي، ولقد وجاء في الموسوعة الفلسفية العربية تحت مادة «الليبرالية» ما يلي «جوهر الليبرالية التركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد. الليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه: تسلط الدولة (الاستبداد السياسي)، وتسلط الجماعة (الاستبداد الاجتماعي)». وعليه نجد أن الإسلام جاء في مجمله دعوة لتحرير الناس من الذل والاستعباد وخلق الفرد المسلم الحر القادر على البناء وعمارة الأرض.
أكثر ما يحزنني هو أن نستخدم مصطلحات لا نعيها ولم نقرأ عنها ولا عن فحواها ومضامينها، حقا الإنسان عدو ما يجهل.
٭ خلاصة الكلام:
أثناء محاكمة قتلة فرج فودة سأل القاضي أحدهم:
لماذا اغتلت فرج فودة؟
٭ القاتل: لأنه كافر.
ومن أي كتبه عرفت أنه كافر؟
٭ القاتل: أنا لم أقرأ كتبه.
كيف؟
٭ القاتل: أنا لا أقرأ ولا أكتب!
[email protected]
osamadeyab@